باب في التواصي بالحق والصبر

قال تعالى في سورة البلد: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ).

قال الإمام محمد بن أبي زمنين: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ﴾ على ما أمرهم الله به وعمّا نهاهم عنه، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ بالتراحم فيما بينهم.

وقال تعالى في سورة العصر: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

عن قتادة بن دعامة: ﴿وتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾ قال: كتاب اللَّه. ﴿وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ قال: طاعة اللَّه.

رواه ابن أبي حاتم.

وقال الإمام محمد بن أبي زمنين: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ بالتوحيد، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ﴾ على الفرائض.

باب الصبر على الأذي في دين الله

قال تعالى في سورة آل عمران: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)  

وقال تعالی في سورة آل عمران: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)  

وقال تعالى في سورة الأنعام: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ)

وقال تعالى في سورة الأعراف: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)  

وقال تعالى في سورة إبراهيم: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)  

وقال تعالى في سورة القصص: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

وعن خباب بن الأرتّ قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل ليحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون". 

باب الصبر على دين الله

قال تعالى في سورة البقرة : (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)

وقال تعالى في سورة البقرة: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) 

وقال في سورة البقرة: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)  

وقال تعالى في سورة الرعد: (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)

وفال تعالى في سورة النحل: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)

وقال تعالى في سورة الكهف: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)

وقال تعالى في سورة الإنسان: (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)

باب فضل التوحيد

قال تعالى في سورة الأنعام: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}".

رواه البخاري.

وقال تعالى في سورة النور: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنّة حق والنّار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".

وفي رواية: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".

رواه البخاري.

قلت: وقوله "وروح منه" أي: أن روحه من الله، كما أن سائر الخلق أرواحهم من الله تعالى، فأرواح الخلق كلها من الله عز وجل، أوجدها مما شاء سبحانه وتعالى، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكد أن عيسى بن مريم عليه السلام ليس إلهاً کما يدعي النصارى، وإنما هو خلق من خلق الله، كسائر المخلوقات.

وقول الحواريين لعيسی: يا روح الله. إقرار منهم بأنه ليس إله، بل مخلوق، وأن روحه من الله، كما أن سائر الخلق أرواح من الله.

وعن عبادة الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرّم الله عليه النّار". 

رواه مسلم.

وقوله: "حرّم الله عليه النّار" أي: الخلود فيها.

وعن عتبان بن مالك الانصاري رضي  الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". 

رواه البخاري.

وعن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقُرابها مغفرة".

رواه الترمذي.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفه على الرحل، قال: "يا معاذ بن جبل". قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: "يا معاذ". قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا، قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه، إلا حرمه الله على النار". قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتكلوا". 

قال أنس: وأخبر بها معاذ عند موته تأثما.

رواه البخاري ومسلم.

باب فضل من حقق التوحيد

وتحقيق التوحيد، يكون بتجريد التوحيد من كل أنواع الشرك الأكبر والأصغر، ومجاهدة النفس، في أتباع أمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عن نواهيه.

عن حُصين بن عبد الرحمن قال: كنتُ عند سعيد بن جُبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقَضَّ البارحة؟ فقلتُ: أنا، ثم قلتُ: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لُدغْتُ، قال: فما صنعتَ؟ قلت: ارتقيتُ، قال: فما حَمَلك على ذلك؟ قلت: حديث حدَّثَناه الشعبي، قال: وما حدَّثَكم؟ قلتُ حدثنا عن بريدة بن الحُصيب أنه قال: "لا رُقْية إلا مِن عَيْن أو حُمَة"، قال: قد أحسَن مَن انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عُرضت عليّ الأُمم، فرأيتُ النبي ومعه الرَّهط والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رُفع لي سواد عظيم فظننتُ أنهم أمَّتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرتُ فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمَّتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب". ثم نهض فدخل منْزله، فخاض الناس في أولئك؛ فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلِدُوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: "هم الذين لا يَسْتَرقون، ولا يَكْتَوُون، ولا يَتَطَيَّرون، وعلى ربهم يتوكلون". فقام عُكاشة بن مِحصَن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "أنت منهم". ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "سَبَقَك بها عكاشة".

رواه البخاري ومسلم.

باب حكم الاستغفار للمشركين

قال تعالى في سورة التوبة: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)

وقوله: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) أي: مات على الشرك؛ لأنه قبل الموت لم يكن يدري بماذا يختم له، فقد يختم له بالإسلام، وأما إذا مات على الشرك، فهذا يعني أنه عدو لله تعالى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي". 

رواه مسلم.

وعن عصمة بن راشد عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله رجلاً أستغفر لأبي هريرة ولأمه. قلت: ولأبيه. قال: لا، إن أبي مات وهو مشرك. 

رواه الطبري.

قلت: هذا فيمن مات على الشرك، أما من لم يمت فيجوز الدعاء له بالمغفرة والهداية.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من  الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. 

رواه البخاري. 

فلو لم يكن الدعاء للمشركين جائز في حياتهم وقبل مماتهم، لما دعا لهم نبيهم بالمغفرة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأن دوساً قد هلكت، عصت وأبت، فادع الله عليهم، فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: "اللهم اهد دوساً وأت بهم".

رواه البخاري.

باب الشفاعة لأهل التوحيد وعد إذن الله ورضاه

قال تعالى في آية الكرسي: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) 

وقال تعالى في سورة الأعراف: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)  

وقال تعالى في سورة يونس: (مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ) 

وقال تعالى في سورة طه: (يَوْمَئِذٍ لّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا)  

وقال تعالى في سورة سبأ: (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)  

وقال تعالى في سورة الزمر: (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) 

وقال تعالى في سورة النجم: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى)

قلت: فلا يمكن لأحد من خلق الله عز وجل، لا ملك مقرّب، ولا نبي مرسل، ولا ولي صالح، أن يشفع لأحد من خلق الله، إلا بعد أن يأذن الله له بذلك، ويرضى سبحانه عن المشفوع له. 

قال تعالى في سورة البقرة: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) 

وقال تعالى في سورة المدثر: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)  

وعن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه - أو نفسه - ". 

رواه البخاري.

باب البراءة من الشرك وأهله

قال تعالى في سورة الأنعام : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) 

قال مقاتل بن سليمان: من بلغة القرآن من الجن والإنس فهو نذير له.

رواه البغوي.

وقال محمد بن کعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأی محمداً صلى الله عليه.

رواه البغوي.

وقال تعالى في سورة الأنعام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) 

وقال تعالى في سورة التوبة: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) 

وقال تعالى في سورة هود: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)  

وقال تعالى في سورة الشعراء: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ)

وقال تعالى في سورة الزخرف: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) 

وقال تعالى في سورة الممتحنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) 

وقال تعالى في سورة المجادلة: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

باب في وجوب إخلاص العمل لله عز وجل

فلا تبتغي بعملك شيئا من أغراض الدنيا، من مال أو جاه أو شهرة.

قال تعالى في سورة الزمر: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)

وقال تعالى في سورة الكهف: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا

وقال الله تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشرکه".

رواه مسلم.

 وفي رواية عند ابن ماجه: "وأنا منه بريء وهو للذي أشرك". 

وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". قالوا: وما الشرك الأصغر یا رسول الله؟ قال: "الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنت تراؤون في الدنيا هل تجدون عندهم جزاء".

رواه أحمد. 

وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس إياكم وشرك السرائر". قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل ليصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه فتلك شرك السرائر". 

رواه ابن أبي شيبة. 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم:  أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة، ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يقال إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أح؟ قال بلى يا رب. قال فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله تعالى له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة.

رواه الترمذي.

باب في وجوب متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن الابتداع في الدين

فلا يزيد في الدين ولا ينقص.

قال تعالى في سورة المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) 

وعن عائشة وضي الله الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". 

رواه البخاري. 

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسم كان يقول في خطبته: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". 

رواه النسائي.

وعن يزيد بن عميرة، أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول في كل مجلس يجلسه: "هلك المرتابون، إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه الرجل والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول: ما بال الناس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن! فيقول: ما هم بمتّبعي حتى أبتدع لهم غيره. فإيّاكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالة". 

رواه الآجري في الشريعة. 

وقال عابد الحرمين، الإمام الفضيل بن عياض: "إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالص، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة". 

رواه النسائي. 

قلت: وعلى هذا، فلا يجوز لأي كان، أن يفسّر القرآن والسنّة برأيه، ولا أن يزيد في العبادات التي فرضها الله عز وجل شيئاً لم يرد في القرآن والسنّة، ولا أن ينقص منها شيئاً ورد في القرآن والسنّة، يأتي بالعبادات على وجهها، فمن فسّر القرآن والسنة برأيه، فهو مبتدع ضال مضل، ومن زاد في العبادات التي فرضها الله عز وجل أو نقص فهو ضال مضل، أما النوافل، فللعبد أن يفعل ما يشاء، شرط أن لا يدعو لها أحداً، ولا يزعم أنها واجبة في دين الله عز وجل.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: "هذا سبيل الله". ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سُبُل متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه". ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام].

رواه أحمد. 

قلت: وكما أن الأمم من قبلنا ظهرت فيهم البدع والضلالات، فقد ظهرت أيضاً في هذه الأمة، وتحقق ما ذكره معاذ بن جبل رضي الله عنه، فعلى المسلم الحريص على دينه، أن لا يقلد أحداً دينه، وإنما يحاول أن يقتفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة رضوان الله عليهم، بقراءة ما صحّ من الأخبار عنهم، والعمل بها، وترك ما أحدثه المحدثون من الآراء والأهواء، التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضوان الله عليهم.

باب في التوكل على الله عز وجل

قال تعالى في سورة آل عمران: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

وقال تعالى في سورة آل عمران: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

وقال تعالى في سورة يونس: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)

وقال تعالى في سورة الطلاق: (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب". ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما الذي تخوضون فيه؟". فأخبروه فقال: "هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون؛ وعلى ربهم يتوكلون". فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم". ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "سبقك بها عكاشة".

رواه البخاري ومسلم.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك؛ لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".

رواه مسلم.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أيضا، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. 

وفي رواية، قال: كان آخر قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.

رواه البخاري.

وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنَّكم تتوكلون على الله عز وجل حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانًا". 

رواه الترمذي.

وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما". 

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".

رواه مسلم.

قلت: فهذه هي طريقة الأنبياء والصالحين، لا يتوكلون إلّا على الله عز وجل وحده لا شريك له، والله ما وجدنا الله عز وجل ولا أنبيائه، يأمرون الناس بالتوكل على الملائكة، أو على رجال الغيب، أو على أحد من الأنبياء أو الصالحين، وإنه لا يدعو الناس إلى ذلك، إلا داعية من دعاة السُبُل الشيطانية، الذين يدعون الناس إلى النّار.

باب ما جاء في قول لو

قال تعالى في سورة آل عمران: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَقَالُوا۟ لِإِخۡوَ ٰ⁠نِهِمۡ إِذَا ضَرَبُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُوا۟ غُزࣰّى لَّوۡ كَانُوا۟ عِندَنَا مَا مَاتُوا۟ وَمَا قُتِلُوا۟ لِیَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَ ٰ⁠لِكَ حَسۡرَةࣰ فِی قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ)

وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".  

رواه مسلم.

قلت: أي تفتح عليك الحزن والجزع، وذلك يضر ولا ينفع، بل الواجب أن توقن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك. 

قال تعالى في سورة التغابن: (مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ)

وعن عبدالله بن عباس في قوله: (وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُ) قال: يعني يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطاءه لم يكن ليصيبه.

وعن علقمة في قوله: (مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ) قال: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيسلّم لها ويرضي. 

رواه الطبري.

قلت: فيُنهى عن قول لو، إذا قيلت على وجه الحزن على الماضي، والجزع من المقدور، وأما فيما عدا ذلك فجائز.

باب أن الإسلام والتوحيد هو دين الفطرة التي فطر الله العباد عليها

قال تعالى في سورة الروم: (فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ)

وعن عياض بن حمار الجاشعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فيما يرويه عن ربه عز وجل: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي: کلُّ مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمَرَتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا" .. الحديث.

رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو مجّسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء؟". 

رواه البخاري.

قلت: ولم يقل ويؤسلمانه، فدل ذلك على أن دين الفطرة هو دين الإسلام، ولا يعني هذا أن العبد عندما يولد يكون عارفا بشرائع الإسلام، وإنما المراد أن العبد عندما يولد يكون مفطوراً على ثلاث مسائل: آن له رباً، وأن ربه في السماء، وأن ربه هو الملجأ والمفزع والملاذ عند النوائب، وأن ربه بيده كل شيء، وأنه قادر على التمييز بين ما هو من فعل الخير وما هو من فعل الشر، وبين ما هو حسن وما هو قبيح، وإن كان معرفة بعض الحسن والقبيح لا يمكن إلا من خلال الوحي، إلا أن منه ما يمكن تمييزه بالعقل الصحيح والفطرة السليمة.

باب الإيمان بالقدر

عن جابر رضي الله عنه قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله، بيّن لنا دیننا کأنّا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما يُستقبل؟ قال: "لا، بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير". قال: ففيم العمل؟! فقال: "اعملوا فكل ميسّر".

وفي رواية: "كل عامل میسّر لعمله".

رواه مسلم.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه، أمر مبتدأ، أو  فيما فرغ منه؟ فقال: فرغ منه يا ابن الخطاب، وكل ميسّر، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء. 

رواه الترمذي. 

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا غلام، إني أعلمك كلمات، أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". 

رواه أحمد والترمذي. 

وقال طاوس: أدركت أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس، أو الكيس و العجز. 

رواه مسلم. 

وعن أمين الديلمي قال: أتيت أبي بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي. فقال: لو أن الله عذب أهل سماوته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطاك لم يكن ليصبك، ولو متّ على غير هذا أدخلت النار. قال: ثم أتيت عبدالله بن مسعود فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. 

رواه أبو داود. 

وعن الوليد بن عبادة الصمت قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت. فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي. فقال: أجلسوني. فقال: يا بنيّ، إنك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قلت: يا أبتاه، فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره. فقال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيك، وما أصابك لم يكن ليخطئك. يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم، ثم قال: أکتب. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة". يا بني، إن متّ ولست على ذلك دخلت النار. 

رواه أحمد والترمذي. 

وعن عبدالله مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقة في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يوصل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، کتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم يعمل عمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة  فيدخلها".

رواه البخاري.

باب أن الله يهدي من يشاء برحمته وفضله ويضل من يشاء بعدله

قال تعالى في سورة البقرة: (یُضِلُّ بِهِۦ كَثِیرࣰا وَیَهۡدِی بِهِۦ كَثِیرࣰاۚ وَمَا یُضِلُّ بِهِۦۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقِینَ) 

وقال تعالى في سورة الأنفال: (وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِیهِمۡ خَیۡرࣰا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ)  

وقال تعالى في سورة إبراهيم: (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِیُبَیِّنَ لَهُمۡۖ فَیُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ)

وقال تعالى في سورة إبراهيم أيضا: (یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَیُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِینَۚ وَیَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُ) 

وقال تعالى في سورة غافر: (كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ مُّرۡتَابٌ) 

وقال أيضا في سورة غافر: (كَذَ ٰ⁠لِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ)

وقال تعالى في سورة الرعد: (قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَنۡ أَنَابَ)

وقال تعالى في سورة النحل: (وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَلَـٰكِن یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) 

وقال تعالى في سورة المنافقين: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

باب أن مشيئة المخلوقات تابعة لمشيئة الله وأنه لا يقع شيء في ملكه إلا من بعد إذنه

وقال تعالى في سورة البقرة: (قَالَ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ)

قال تعالى في سورة الإنسان: (وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا)

وقال تعالى في سورة التكوير: (وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)

وقال تعالى في سورة البقرة عن السحرة: (وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ)

في آيات كثيرة، يخبرنا الله تبارك وتعالى فيها، أنه لا يقع شيء من خير أو شر، إلا بإذن الله تعالى، فإنه لا يقع في ملك الله إلا ما يشاءه الله، فلا يمكن لأي مخلوق مهما عظم شأنه بين عباد الله، أن تكون مشيئته فوق مشيئة الله، تعالى الله وتقدس، وهذا الأذن ليس إذن إباحة، بل إذن تفويض، على وعد من الله تعالى، أنه من عمل خيراً سوف يجزى به، ومن عمل شراً سوف يجزى به.

باب أن الله كتب مقادير الخلائق في الكتاب

قال تعالى في سورة الأنعام: (وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ) 

وقال تعالى في سورة يونس: (وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ٰ⁠لِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ)

وقال تعالى في سورة طه: (قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّی فِی كِتَـٰبࣲۖ لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى)

وقال تعالى في سورة الحديد: (مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ)

عن عبدالله بن عباس قال: هو شيء قد فرغ منه من قبل أن نبرأ النفس.

وعن قتادة بن دعامة في قوله: (مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ) قال: هي السْنُون. وفي قوله: (وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ) قال: الأوجاع والأمراض. قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجان عرق إلا بذنب وما يعفو أكثر.

رواه الطبري. 

قوله: "السْنُون" جمع سَنَة، وهو ما يقع من قلة الأمطار والقحط وندرة الماء والكلاء. 

ويصدق ذلك قوله تعالى في سورة النساء: (مَّاۤ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةࣲ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَاۤ أَصَابَكَ مِن سَیِّئَةࣲ فَمِن نَّفۡسِكَۚ)

وقال تعالى في سورة الأنعام: (مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَاۤءَ بِٱلسَّیِّئَةِ فَلَا یُجۡزَىٰۤ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ)

عن منصور بن عبد الرحمن قال: كنت جالساً مع الحسن فقال رجل: سله عن قوله تعالى: (مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤ) فسألته عنها فقال: ومن يشك في هذا كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن تبرأ النسمة. 

رواه الطبري.

باب الإيمان باليوم الآخر

قال تعالى في سورة التغابن: (زَعَمَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَن لَّن یُبۡعَثُوا۟ۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّی لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ)

وقال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰمࣰا وَرُفَـٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقࣰا جَدِیدࣰا قُلۡ كُونُوا۟ حِجَارَةً أَوۡ حَدِیدًا أَوۡ خَلۡقࣰا مِّمَّا یَكۡبُرُ فِی صُدُورِكُمۡۚ فَسَیَقُولُونَ مَن یُعِیدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِی فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲۚ فَسَیُنۡغِضُونَ إِلَیۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ قَرِیبࣰا یَوۡمَ یَدۡعُوكُمۡ فَتَسۡتَجِیبُونَ بِحَمۡدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا)

وقال تعالى في سورة الحج: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةࣲ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةࣲ مُّخَلَّقَةࣲ وَغَیۡرِ مُخَلَّقَةࣲ لِّنُبَیِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَاۤءُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلࣰا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوۤا۟ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن یُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن یُرَدُّ إِلَىٰۤ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَیۡلَا یَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمࣲ شَیۡـࣰٔاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةࣰ فَإِذَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهَا ٱلۡمَاۤءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِیجࣲ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّهُۥ یُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ یَبۡعَثُ مَن فِی ٱلۡقُبُورِ)

وقال تعالى في سورة مريم: (وَیَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَیًّا أَوَلَا یَذۡكُرُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ یَكُ شَیۡـࣰٔا)

وقال تعالى في سورة الأعراف: (وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَقَلَّتۡ سَحَابࣰا ثِقَالࣰا سُقۡنَـٰهُ لِبَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَاۤءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: "كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيّاي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أوّل الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إيّاي، فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الأحد الصمد، لم ألِد ولم أولَد، ولم يكن لي كفواً أحد".

رواه أحمد.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيحي الله هذا بعد ما أرِم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم". قال: ونزلت الآيات من آخر يس. 

رواه ابن أبي حاتم.

قلت: والآيات من أخر سورة يس هي قوله تعالى: (أَوَلَمۡ یَرَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن نُّطۡفَةࣲ فَإِذَا هُوَ خَصِیمࣱ مُّبِینࣱ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلࣰا وَنَسِیَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن یُحۡیِ ٱلۡعِظَـٰمَ وَهِیَ رَمِیمࣱ قُلۡ یُحۡیِیهَا ٱلَّذِیۤ أَنشَأَهَاۤ أَوَّلَ مَرَّةࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِیمٌ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارࣰا فَإِذَاۤ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ أَوَلَیۡسَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰۤ أَن یَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِیمُ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل ابن آدم يأكله التراب؛ إلا عجب الذنب، منه خلق، وفيه يُركَّب".

رواه مسلم.

قلت: وعجب الذنب، هي العظمة الصغيرة، التي في أسفل الظهر.

باب سعة علم الله تعالى

قال تعالى في سورة البقرة: (وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ)

وقال تعالى في سورة آل عمران: (قُلۡ إِن تُخۡفُوا۟ مَا فِی صُدُورِكُمۡ أَوۡ تُبۡدُوهُ یَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ)

وقال تعالى في سورة المجادلة: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ مَا یَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَاۤ أَدۡنَىٰ مِن ذَ ٰ⁠لِكَ وَلَاۤ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَیۡنَ مَا كَانُوا۟ۖ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ)

وقال تعالى في سورة لقمان: (إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ ٱلۡغَیۡثَ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسࣱ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدࣰاۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسُۢ بِأَیِّ أَرۡضࣲ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرُۢ)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مهما كتم الناس يعلمه الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم". 

رواه أحمد والنسائي والطبراني.

باب الإيمان بالنبياء الله عز وجل وكتبه المنزلة عليهم

قال تعالى في سورة البقرة: (لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ)

وقال تعالى في سورة آل عمران: (قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ)

وقال تعالى في سورة النساء: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدًا)

وقال تعالى في سورة النساء: (إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَیُرِیدُونَ أَن یُفَرِّقُوا۟ بَیۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَیَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضࣲ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضࣲ وَیُرِیدُونَ أَن یَتَّخِذُوا۟ بَیۡنَ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبِیلًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ حَقࣰّاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَمۡ یُفَرِّقُوا۟ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَوۡفَ یُؤۡتِیهِمۡ أُجُورَهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا)

باب النهي عن سب الريح

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الريح من رَوْح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها". 

وفي رواية: "لا تسبوا الريح، فإنها من روح الله تعالى، تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها". 

رواه أبو داود وابن ماجه.

قوله: "من رَوْح الله" أي: من رحمة الله. 

وقوله: "تأتي بالرحمة" أي: بالغيث والراحة والنسيم. 

وقوله: "وتأتي بالعذاب" أي: بإتلاف النبات والشجر وهلاك الماشية وهدم البناء. 

قلت: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الريح، لأنها مأمورة بما تجيء به من رحمة أو عذاب، وأنها مسخرة مذللة مصرفة بتدبير الله تعالى وتسخيره، يرحم بها من يشاء عباده، ويعذب بها من يشاء، فالذي يسب الريح، إنما يقع سبه على من صرفها. 

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنها، أن رجلاً لعن الريح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تلعن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئاً ليس له بأهل، رجعت اللعنة عليه". 

رواه أبو داود والترمذي.

باب النهي عن سب الدهر

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدهر وأنا الدهر، أقلّب الليل والنهار". 

وفي رواية: "لا تسبّوا الدهر، فإن الله هو الدهر". 

رواه البخاري. 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قال: لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أقلّب ليله ونهاره، واذا شئت قبضتها". 

رواه الطبري. 

قلت: والدهر عند العرب، هو الزمان، يسبّون الزمان، لما يجري عليهم فيه من المِحن والإحَن، والزمان ليس له تأثير في هذا، إنما يجري هذا عليهم بأمر من الله تبارك وتعالى، ومشيئة منه، فإذا سبّوا الدهر بسبب ذلك، فإنما يقع سبّهم على الله تعالى، لأنه الذي يصرّف هذه الأمور.

باب تعظيم الله عز وجل

وقال تعالى في سورة البقرة: (وَإِیَّـٰیَ فَٱرۡهَبُونِ)

وقال تعالى في سورة البقرة: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ)

وقال تعالى في سورة آل عمران: (إِنَّمَا ذَ ٰ⁠لِكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ)

وقال تعالى في سورة المائدة: (فَلَا تَخۡشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ) 

وقال تعالى في سورة الأنبياء: (إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَیَدۡعُونَنَا رَغَبࣰا وَرَهَبࣰاۖ وَكَانُوا۟ لَنَا خَـٰشِعِینَ)

وقال تعالى في سورة الشعراء: (إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ ءَایَةࣰ فَظَلَّتۡ أَعۡنَـٰقُهُمۡ لَهَا خَـٰضِعِینَ)

قلت: فتجعل رهبتك من الله أعظم الرهبة، وحبك لله أعظم الحب، وخوفك من الله أعظم الخوف، وخشيتك من الله أعظم الخشية، ورغبتك في الله أعظم الرغبة، وخشوعك لله أعظم الخشوع، وخضوعك لله أعظم الخضوع.

قال تعالى في سورة الزمر: (وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعࣰا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ)

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حَبْر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثري على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعࣰا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ)

وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟".

رواه مسلم. 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخنع اسم عند الله، رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله". 

رواه البخاري.

وأخنع، يعني: أوضع.

قال سفيان: مثل شاهان شاه.

قلت: ومثله، سلطان السلاطين، وقاضي القضاة، وأشباه ذلك. 

وعن أبي هريره رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي. 

رواه البخاري.

وهذا نهي كراهة، لا نهي تحريم، فقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز، عن نبيّه يوسف عليه السلام، أنه وصف ملك مصر بربّ الساقي، وكذلك وصفه الله تعالى، فقال في سورة يوسف: (وَقَالَ لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجࣲ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِی عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِی ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِینَ)

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم، يربّي في المسلمين تعظيم الله تعالى، وعدم مساواة غيره به، حتّى في الألفاظ والعبارات، فإن يوسف عليه السلام وأنبياء الله تعالى، يعلمون من قدر الله تعالى، ما لا يعلمه غيرهم، فلا يقاس غيرهم بهم.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". 

رواه أبو داود والنسائي.

وعن جابر بن الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنّة".

رواه أبو داود.

وعن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأحبطت عملك". 

رواه مسلم.

قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وأخرته. 

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنّا نستشفع بالله عليك، وبك على الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، سبحان الله"، فما زال يسبح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: "ويحك، أتدري ما تقول! إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد" .. الحديث.

رواه أبو داود.

باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم

قال تعالى في سورة النحل: (وَأَوۡفُوا۟ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُوا۟ ٱلۡأَیۡمَـٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِیدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَیۡكُمۡ كَفِیلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ)  

قلت: العهد، هو: الذمة.

عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، فقال: "اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تـمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال-، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله تعالى، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا".

رواه مسلم.

باب أن أكثر العلماء هم سبب تبدیل شرائع الله

عن يزيد بن عميرة، أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول في كل مجلس: هلك المرتابون، إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه الرجل والمرأة والحُرّ والعبد والصغير والكبير، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول: ما بال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟! فيقول: ما هم بمتّبعي، حتى ابتدع لهم غيره. فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة". 

رواه الآجري في الشريعة. 

وعن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي، أطرح هذا الوثن من عنقك". قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: "أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟" قال: قلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم". 

رواه الترمذي والطبراني. 

وعن حذيفة أنه سئل عن قوله: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) هل كانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرّموه. 

رواه الطبري. 

وعن أبي البختري في قوله: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِیحَ ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوۤا۟ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدࣰاۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ عَمَّا یُشۡرِكُونَقال: أطاعوهم فيما أمروهم به، من تحريم حلال، وتحليل حرام، فعبدوهم بذلك. 

رواه ابن أبي شيبة. 

قلت: فعلى المسلم أن يكون حريصاً، وأن يتثبت عند سؤال العلماء في ما يفتونه به من أمر دينه، بمطالبتهم بالدليل من الكتاب والسنة، فإن كان لقولهم حجة في كتاب الله تعالى أخذ به وإلا تركه، ولا يعتمد على أراء العلماء، فإن رأي أكثر العلماء فيه الهلكة، وليسأل العبد ربه الهداية دائما.

باب قوله تعالى في سورة فاطر إنما يخشی الله عن عباده العلماء

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى: (إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ) قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.

رواه الطبري.

وعن عبدالله بن عباس قال: يريد، إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني.

رواه البغوي.

وعن قتادة بن دعامة، في قوله: (إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟) قال: كان يقال كفى بالرهبة علما.

رواه الطبري.

وعن صالح بن أبي الخليل في قوله: (إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ) قال: أعلمهم بالله أشد له خشية.

رواه ابن أبي حاتم. 

وعن الحسن رضي الله عنه قال: الإيمان من خشي الله بالغيب ورغب فيما رغب الله فيه وزهد فيما أسخط، ثم تلا:(إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ

رواه ابن أبي حاتم.

قلت: وفي هذا بيان، أن العالم، ليس من كثر حفظه واطلاعه فقط، بل يجب أن يجمع مع ذلك العمل بما علم، ولم يبتدع، فذاك العالم حقاً.

باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منافقتي أمتي قراؤها

عن عبدالله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وعصمة بن مالك، رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أكثر منافقتي أمتي قرّاؤها". 

رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبراني.

قلت: والقرّاء هم العلماء، والنفاق المذكور في الحديث هو الرياء، يراءون بعلمهم وأعمالهم، وجعلوا الدين عرضاً لأهوائهم، فهذا الحديث يدل على أن أكثر العلماء أهل رياء ونفاق، وأنه لا يسلم من ذلك منهم إلا القليل، نعوذ بالله من الضلال.

باب في التبرك المشروع والتبرك الممنوع

والتبرك هو طلب البركه، أي: طلب الزيادة والنماء، في المال والأكل والشرب واللباس. 

والتبرك منه مشروع ومنه ممنوع. 

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البركة من الله". 

رواه البخاري.

قلت: فأي شيء ورد في القرآن أو السنة بأنه بركة، فيجوز التبرك به، كالتبرك بالأعمال الصالحة. 

قال تعالى في سورة نوح: (فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَ ٰ⁠لࣲ وَبَنِینَ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَـٰرࣰا)

والتبرك بشيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم، كشعره أو لباسه، وهذا لم يعد متاحاً، لأن آثار النبي لم تعد موجودة، وما نسب إليه من آثار كلها مزيّفة مصنوعة. 

وكالتبرك بدعاء الصالحين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: اللهم إنّا كنّا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. 

رواه البخاري. 

وكالتبرك بماء المطر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى".

رواه مسلم.

أما التبرك الممنوع، فهو التبرك بأي شيء لم يرد الشرع بأنه بركة، كالتبرك بالأشجار أو الأحجار أو إنسان أو حيوان. 

عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: {ٱجۡعَل لَّنَاۤ إِلَـٰهࣰا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةࣱ} [الأعراف] والذي نفسي بيده، لتركبن سُنّة من كان قبلكم".

رواه أحمد والترمذي.

ورواه ابن أبي عاصم في السنة وزاد: "ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم الفتح" اهـ وهي زيادة شاذة، ومنكرة، وباطلة، من زيادات الرواة، فإن أبا واقد الليثي أسلم قديماً قبل حنين، وهاجر إلى المدينة. 

قلت: وقد كان الصحابة متوافرون، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه كان يتبرك بأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، وهم خير خلق الله بعد الأنبياء، فمن باب أولى أن غيرهم لا يستحق أن يفعل به ذلك.

فإن احتج محتج بجواز ذلك، بما كان يفعله الصحابة من تبركهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم؟ 

فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد علمنا أنه بركة، لكوننا علمنا باطنه كما علمنا ظاهره، وبما ورد عنه من الأخبار بذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبصق في البئر، ويضعه يده في الماء، ويقتسم الصحابة شعره وثوبه، يتبركون بذلك، وهو يراهم ولا يمنعهم، بل إنه أشعر إحدى بناته حقوه، ولم يكن أحد يفعل ذلك بأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، وهم خيرة الأولياء والأصفياء، فدل هذا على أن هذا خصيصة للأنبياء، لا يشاركهم فيها إلا دعيّ كذاب.

باب النهي عن الغلو في الصالحين

عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين". 

رواه ابن ماجه.

وعن عبدالله بن عباس، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله". 

رواه البخاري. 

وعن عبدالله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سیّدنا. قال: "السيّد الله تبارك وتعالى". قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً. فقال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان". 

رواه أحمد وأبو داود.

وعن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً قال: يا محمد، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا. فقال: "يا أيها الناس، قولوا قولكم، ولا يستهوِكّم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله". 

رواه أحمد والنسائي.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلّوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". 

رواه أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة. 

وقوله: عيدا. أي: لا تعتادوه بالزيارة. 

وعن محمد بن قيس، في قوله تعالى: (وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدࣰّا وَلَا سُوَاعࣰا وَلَا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسۡرࣰا). قال: كانوا قوماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم، كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم. فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دبّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وهم يسقون المطر. فعبدوهم. 

رواه الطبري. 

وعن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك!" قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: "أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟" قال: قلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم". 

رواه الترمذي والطبراني.

وعن حذيفة بن اليمان، أنه سئل عن قوله تعالى: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) هل كانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلّوا لهم شیئاً استحلّوه، واذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه. 

رواه الطبري. 

وعن أبي البحتري في قوله تعالى: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) قال: أطاعوهم فيما أمروهم به من تحريم حلال وتحليل حرام، فعبدوهم بذلك. 

رواه ابن أبي شيبة.

قلت: والغلو في الأنبياء والصالحين منهي عنه شرعا، كما أنه وسيلة من وسائل الشرك، لأن كثيراً من غلو في محبة الأنبياء والصالحين، ما زال يستجرهم الشيطان حتی نسبوا إليهم شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، فوقعوا في الشرك الأكبر والعياذ بالله، كما قال الله تعالى عن النصارى في سورة النساء: (یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥۤ أَلۡقَىٰهَاۤ إِلَىٰ مَرۡیَمَ وَرُوحࣱ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرࣰا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤ أَن یَكُونَ لَهُۥ وَلَدࣱۘ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا) فجعل سبب ادعائهم أن عيسى إله، غلوّهم في دينهم.

وليس من الغلو في الدين أن يتمسك العبد بتعاليم ربه ونبيّه صلى الله عليه وسلم، فإن المستهترين، يرون في التمسك بكتاب الله وسنّة نبيه والحفاظ عليهما غلوٌّ وتشدّد، وهذا من جهلهم وقلّة دينهم وعقلهم، وإنما مراد النبي بالغلو في الدين، التنطع في تعظيم الأنبياء والمشايخ، ومن التنطع أيضاً، أن يمتنع العبد عن ما أحلّ الله له، أو يكلّف نفسه من النوافل ما يشقّ عليه ولا يطيقه، فإن هذا الصنف من الناس، سريع انتكاسه، عجل انحرافه.

عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

رواه البخاري.

ومن رأى ما وقع فيه كثير من الناس، خصوصاً طلاب العلم، من تعظيم العلماء وتقديسهم والغلو في ذلك، وتصديقهم فيما أخبروا به بدون تثبت ولا تحرص، بل بلغ بهم الأمر أنهم يوالون في علماءهم ويعادون فيم ويتعصبون لهم ويغضبون لهم، أدرك ضلال كثير من هؤلاء، وأنهم ليسوا طلاب علم، بل طلاب جهل وضلال وضياع، فإن طالب العلم لا يتعصب الا للحق ولا يركن إلا الدليل، ويعلم أن العلماء بشر فيهم الصالح والفاسد والطيب والخبيث والمصيب والمخطئ، فلا يظن فيهم ظن السوء ابتداء، ولكن لا يأتمنهم على دينه، ولا يأتمن على دينه إلا الله عز وجل.

باب النهي عن الصور والتماثيل

عن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة، المصورون". 

رواه البخاري. 

وعن عبدالله بن عباس رضي عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصوّر في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم". 

رواه مسلم. 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرّة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة". 

رواه البخاري. 

وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته. 

وفي رواية: ولا صورة إلا طمستها. 

رواه مسلم. 

وعن أبي طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة تماثیل".

رواه البخاري ومسلم.

باب النهي عن البناء على القبور

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. 

رواه البخاري. 

وعن أبي هريرة رضي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

رواه البخاري. 

وعن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة، جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: "لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

تقول عائشة: يحذر مثل ما صنعوا. 

رواء البخاري. 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم،  تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة، يقال لها مارية، وقد كانت أم  سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة، فذكرن من حسنها وتصاويرها. قالت: فرفع النبي صلي الله عليه وسلم رأسه وقال: "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوّرو تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة". 

رواه البخاري. 

وعن جندب بن عبد الله البجلي، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وأن الله عز وجل قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لتّخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". 

رواه مسلم. 

وعن الحارث النجراني قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". 

رواه ابن أبي شيبة. 

وعن أسامة بن زيد، أن رسول الله الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: "أدخلوا علي أصحابي". فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة معافري، فكشف القناع فقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

رواه أحمد والطبراني. 

وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذي اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

رواه أحمد. 

وعن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله". وفي رواية: "قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

رواه أحمد والطبراني. 

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 

رواه أحمد. 

وعن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد". 

رواه أحمد والطبراني. 

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُرُج.

رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وعن علي بن أبي طالب قال: لقيني العباس فقال: يا علي انطلق بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان لنا من الأمر شيء، وإلا أوصى بنا الناس، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه، فرفع رأسه فقال: "لعن الله اليهود، اتخذوا قبور الأنبياء مساجد". 

زاد في رواية: ثم قالها الثالثة، فلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شيء. 

رواه ابن سعد في الطبقات  الكبرى.

قلت: فانظروا كيف يبني الصوفية والرافضة القبور على معظميهم، ويزخرفونها، ويتّخذون عليها السُرُج، علم أن أولئك القوم من شرار خلق الله تعالى، فكيف إذا علمت أنه ومنذ أواخر الدولة العباسية، مروراً بالبويهية والسلجوقية والزنكيّة والأيوبيّة والموحديّة والمملوكيّة والعثمانية، كانوا جميعاً ينفقون الأموال في تشييد القبور، ويبنون عليها القباب والأضرحة، ويعلقون عليها السرج، فعلم ذوو الألباب ومن سلم من الهوى وعمى البصيرة، أن جميع ولاة تلك الدول، كانوا من شرار خلق الله تعالى، بنصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.


باب النهي عن قول ما شاء الله وشئت

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنها، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: "أجعلتني لله ندا! ما شاء الله وحده". 

رواه أحمد والنسائي.

وعن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان". 

رواه أبو داود وأحمد والنسائي وابن أبي شيبة. 

وسئل أبو جعفر، محمد بن علي، عن قوله: (وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ) [يوسف] قال أبو جعفر: شرك طاعة، قول الرجل" لولا الله وفلان، لولا الله وكلب بني فلان.

رواه ابي حاتم.

باب النهي عن الحلف بغير الله

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدرك عمر بن الخطاب، وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. 

رواه البخاري. 

وعن سعيد بن عبيدة قال: سمع  عبدالله بن عمر رضي الله عنهما رجلا يحلف يقول: لا والكعبة. فقال عبدالله بن عمر: لا يحلف بغير الله فإني  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير فقد اشرك". 

رواه  أبو داود والترمذي.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "كل يمين يحلف بها دون الله شرك". 

رواه أبو داود والترمذي.

وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بالأمانة فليس منا". 

رواه أبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون". 

رواه أبو داود والنسائي.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الت صلی الله عليه وسلم: "من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله". 

رواه البخاري.