عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".
رواه ابن ماجه.
وعن عبدالله بن عباس، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله".
رواه البخاري.
وعن عبدالله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سیّدنا. قال: "السيّد الله تبارك وتعالى". قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً. فقال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان".
رواه أحمد وأبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً قال: يا محمد، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا. فقال: "يا أيها الناس، قولوا قولكم، ولا يستهوِكّم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله".
رواه أحمد والنسائي.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلّوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
رواه أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة.
وقوله: عيدا. أي: لا تعتادوه بالزيارة.
وعن محمد بن قيس، في قوله تعالى: (وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدࣰّا وَلَا سُوَاعࣰا وَلَا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسۡرࣰا). قال: كانوا قوماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم، كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم. فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دبّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وهم يسقون المطر. فعبدوهم.
رواه الطبري.
وعن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك!" قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: "أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟" قال: قلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم".
رواه الترمذي والطبراني.
وعن حذيفة بن اليمان، أنه سئل عن قوله تعالى: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) هل كانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلّوا لهم شیئاً استحلّوه، واذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه.
رواه الطبري.
وعن أبي البحتري في قوله تعالى: (ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) قال: أطاعوهم فيما أمروهم به من تحريم حلال وتحليل حرام، فعبدوهم بذلك.
رواه ابن أبي شيبة.
قلت: والغلو في الأنبياء والصالحين منهي عنه شرعا، كما أنه وسيلة من وسائل الشرك، لأن كثيراً من غلو في محبة الأنبياء والصالحين، ما زال يستجرهم الشيطان حتی نسبوا إليهم شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، فوقعوا في الشرك الأكبر والعياذ بالله، كما قال الله تعالى عن النصارى في سورة النساء: (یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥۤ أَلۡقَىٰهَاۤ إِلَىٰ مَرۡیَمَ وَرُوحࣱ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرࣰا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤ أَن یَكُونَ لَهُۥ وَلَدࣱۘ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا) فجعل سبب ادعائهم أن عيسى إله، غلوّهم في دينهم.
وليس من الغلو في الدين أن يتمسك العبد بتعاليم ربه ونبيّه صلى الله عليه وسلم، فإن المستهترين، يرون في التمسك بكتاب الله وسنّة نبيه والحفاظ عليهما غلوٌّ وتشدّد، وهذا من جهلهم وقلّة دينهم وعقلهم، وإنما مراد النبي بالغلو في الدين، التنطع في تعظيم الأنبياء والمشايخ، ومن التنطع أيضاً، أن يمتنع العبد عن ما أحلّ الله له، أو يكلّف نفسه من النوافل ما يشقّ عليه ولا يطيقه، فإن هذا الصنف من الناس، سريع انتكاسه، عجل انحرافه.
عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
رواه البخاري.
ومن رأى ما وقع فيه كثير من الناس، خصوصاً طلاب العلم، من تعظيم العلماء وتقديسهم والغلو في ذلك، وتصديقهم فيما أخبروا به بدون تثبت ولا تحرص، بل بلغ بهم الأمر أنهم يوالون في علماءهم ويعادون فيم ويتعصبون لهم ويغضبون لهم، أدرك ضلال كثير من هؤلاء، وأنهم ليسوا طلاب علم، بل طلاب جهل وضلال وضياع، فإن طالب العلم لا يتعصب الا للحق ولا يركن إلا الدليل، ويعلم أن العلماء بشر فيهم الصالح والفاسد والطيب والخبيث والمصيب والمخطئ، فلا يظن فيهم ظن السوء ابتداء، ولكن لا يأتمنهم على دينه، ولا يأتمن على دينه إلا الله عز وجل.