باب في وجوب متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن الابتداع في الدين

فلا يزيد في الدين ولا ينقص.

قال تعالى في سورة المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) 

وعن عائشة وضي الله الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". 

رواه البخاري. 

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسم كان يقول في خطبته: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". 

رواه النسائي.

وعن يزيد بن عميرة، أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول في كل مجلس يجلسه: "هلك المرتابون، إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه الرجل والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير، فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن في ذلك الزمان فيقول: ما بال الناس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن! فيقول: ما هم بمتّبعي حتى أبتدع لهم غيره. فإيّاكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالة". 

رواه الآجري في الشريعة. 

وقال عابد الحرمين، الإمام الفضيل بن عياض: "إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالص، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة". 

رواه النسائي. 

قلت: وعلى هذا، فلا يجوز لأي كان، أن يفسّر القرآن والسنّة برأيه، ولا أن يزيد في العبادات التي فرضها الله عز وجل شيئاً لم يرد في القرآن والسنّة، ولا أن ينقص منها شيئاً ورد في القرآن والسنّة، يأتي بالعبادات على وجهها، فمن فسّر القرآن والسنة برأيه، فهو مبتدع ضال مضل، ومن زاد في العبادات التي فرضها الله عز وجل أو نقص فهو ضال مضل، أما النوافل، فللعبد أن يفعل ما يشاء، شرط أن لا يدعو لها أحداً، ولا يزعم أنها واجبة في دين الله عز وجل.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: "هذا سبيل الله". ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سُبُل متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه". ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام].

رواه أحمد. 

قلت: وكما أن الأمم من قبلنا ظهرت فيهم البدع والضلالات، فقد ظهرت أيضاً في هذه الأمة، وتحقق ما ذكره معاذ بن جبل رضي الله عنه، فعلى المسلم الحريص على دينه، أن لا يقلد أحداً دينه، وإنما يحاول أن يقتفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة رضوان الله عليهم، بقراءة ما صحّ من الأخبار عنهم، والعمل بها، وترك ما أحدثه المحدثون من الآراء والأهواء، التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضوان الله عليهم.