والتبرك هو طلب البركه، أي: طلب الزيادة والنماء، في المال والأكل والشرب واللباس.
والتبرك منه مشروع ومنه ممنوع.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البركة من الله".
رواه البخاري.
قلت: فأي شيء ورد في القرآن أو السنة بأنه بركة، فيجوز التبرك به، كالتبرك بالأعمال الصالحة.
قال تعالى في سورة نوح: (فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارࣰا یُرۡسِلِ ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡكُم مِّدۡرَارࣰا وَیُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَ ٰلࣲ وَبَنِینَ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَـٰرࣰا)
والتبرك بشيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم، كشعره أو لباسه، وهذا لم يعد متاحاً، لأن آثار النبي لم تعد موجودة، وما نسب إليه من آثار كلها مزيّفة مصنوعة.
وكالتبرك بدعاء الصالحين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: اللهم إنّا كنّا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون.
رواه البخاري.
وكالتبرك بماء المطر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى".
رواه مسلم.
أما التبرك الممنوع، فهو التبرك بأي شيء لم يرد الشرع بأنه بركة، كالتبرك بالأشجار أو الأحجار أو إنسان أو حيوان.
عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: {ٱجۡعَل لَّنَاۤ إِلَـٰهࣰا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةࣱ} [الأعراف] والذي نفسي بيده، لتركبن سُنّة من كان قبلكم".
رواه أحمد والترمذي.
ورواه ابن أبي عاصم في السنة وزاد: "ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم الفتح" اهـ وهي زيادة شاذة، ومنكرة، وباطلة، من زيادات الرواة، فإن أبا واقد الليثي أسلم قديماً قبل حنين، وهاجر إلى المدينة.
قلت: وقد كان الصحابة متوافرون، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه كان يتبرك بأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، وهم خير خلق الله بعد الأنبياء، فمن باب أولى أن غيرهم لا يستحق أن يفعل به ذلك.
فإن احتج محتج بجواز ذلك، بما كان يفعله الصحابة من تبركهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد علمنا أنه بركة، لكوننا علمنا باطنه كما علمنا ظاهره، وبما ورد عنه من الأخبار بذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبصق في البئر، ويضعه يده في الماء، ويقتسم الصحابة شعره وثوبه، يتبركون بذلك، وهو يراهم ولا يمنعهم، بل إنه أشعر إحدى بناته حقوه، ولم يكن أحد يفعل ذلك بأبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، وهم خيرة الأولياء والأصفياء، فدل هذا على أن هذا خصيصة للأنبياء، لا يشاركهم فيها إلا دعيّ كذاب.