باب النهي عن الرقى والتمائم الشركية

عن عبدالله بن أبي بكر، عن عُبَاد بن تميم، أن أبا بشير الأنصاري، أخبره، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أسفاره، قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال عبدالله بن أبي بكر: حسبت أنه قال؛ والناس في مبيتهم: "لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة، إلّا قطعت". 

قال مالك: أرى ذلك من العين.

رواه البخاري.

وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أذهب البأس، رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما".

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني.

والرقى، هي أدعية وتعاويذ تقرأ على الشخص.

ومثلها العزائم، إلا أن العزائم، تكتب على ورق أو جلد، وتغسل بالماء، ثم يشرب ماءها.

والتمائم، هي شيء يعلق على الأعناق أو الأيدي أو الأرجل، يزعمون أنها تحفظهم!

والتولة،  شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته.

ويستثنى من الرقى والعزائم، ما خلا من الشرك.

عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنّا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك".

وعن عيسى بن حمزة، قال: دخلت على عبدالله بن حكيم، وبه حُمرَة، فقلت: ألا تعلّق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلّق شيئاً وكِل إليه". 

رواه أبو داود.

وعن رويفع قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع، لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس، أن من عقد لحيته، أو تقلّد وتراً، أو استنجى برجيع دابة، أو عظم، فإن محمداً بريء منه".

رواه أحمد.

وعن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن، ومن غير القرآن.

رواه ابن أبي شيبة.

وعن سعيد بن جبير، قال: من قطع تميمة من إنسان، كان كعدل رقبة.

رواه ابن أبي شيبة.

قلت: وصدق سعيد، فإن من قطعها من إنسان، فقد أعتق رقبته من النار.

باب النهي عن لبس الحلقة والخيط لدفع البلاء

عن عمران بن حصين، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: "ما هذا"؟! قال: من الواهنة. فقال: "انزعها، فإنها لا تزيدك إلّا وهنا، فإنك لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبدا".

رواه أحمد وابن ماجه والطبراني.

وعن عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل إليه رهط، فبايع تسعة، وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا! قال: "إن عليه تميمة". فأدخل يده فقطعها، فبايعه، وقال: "من علّق تميمة فقد أشرك".

رواه أحمد والطبراني.

وعن عقبة بن عامر الجهني، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعلّق تميمية فلا أتمّ الله عليه، ومن تعلّق ودعة، فلا ودع الله له".

راه أحمد والطبراني.

وعن أبي الخير مرثد بن عبدالله اليزني، قال: سمعت عقبة بن عامر، يقول في التمائم: "إنها أينما وضعت من الإنسان، فإن موضعها شرك".

رواه عبدالله بن وهب في جامعه.

وعن زيد بن وهب قال: انطلق حذيفة إلى رجل من النخع، يعوده، وانطلقت معه، فدخل عليه ودخلت معه، فلمس عضده، فرأى فيه خيطا، فأخذه فقطعه، ثم قال: لو متّ وهذا في عضدك، ما صلّيت عليك.

رواه ابن أبي شيبة.

وعن عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي، قال: دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرا، فقطعه، أو انتزعه، ثم قال: ﴿وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ﴾ [يوسف ١٠٦]

رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

وحذيفة هو ابن اليمان، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

باب الطيرة والتطير

عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة، يعجبني الفأل". قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الطيّبة". اهـ

رواه البخاري.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلّا أنت، ولا يدفع السيئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بك" اهـ

راه أبو داود.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الطيرة شرك، ثلاث مرّات، وما منّا وإلّا، ولكن الله يذهبه بالتوكل". اهـ

رواه أبو داود.

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ردّته الطِيَرة من حاجة فقد أشرك". قالوا: يا رسول الله، ما كفّارة ذلك؟ قال: "أن يقول أحدهم: "اللهم لا خير إلّا خيرك، ولا طير إلّا طيرك، ولا إله غيرك". اهـ

رواه أحمد والطبراني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر". اهـ

رواه البخاري.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة". فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله البعير يكون به الجرب، فتجرب به الإبل! قال: "ذلك القدر، فمن أجرب الأوّل"؟ اهـ

رواه البخاري.

وعن سعد بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدّار". اهـ

رواه البخاري.

وعن قبيصة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "العيافة والطيرة والطرق من الجبت". اهـ

رواه أبو داود.

الطرق، هو: الزجر. 

والعيافة، هي: الخط.

وعن الفضل بن العباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنما الطِيَرة ما أمضاك أو ردك". اهـ

رواه أحمد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرّ من المجذوم، فرارك من الأسد". اهـ

رواه البخاري.

قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم، إنما يريد أن يعلّمنا، أن العدوى لا تقع إلّا بقدر من الله تعالى، والأخذ بالأسباب من أقدار الله تعالى، فيأخذ العبد بالأسباب التي وضعها الله لعباده؛ ليتسبّبوا بها، فإن وقعة العدوى، فليقل: قدّر الله وما شاء فعل.

باب حكم التنجيم

المنجمون، هم الذي يدّعون علم الغيب، بواسطة حركات الشمس والقمر والنجوم، ومنازلها، ومثلهم، الذين يدعون علم الغيب من خلال حساب الجمّل والأرقام.

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" اهـ

رواه أبو داود.

وعند أحمد وابن ماجه والطبراني: "من اقتبس علماً" بدل: "من اقتبس شعبة".

وعن زيد بن خالد الجهني، في غزوة الحديبية، قال: صلّى بنا رسول الله ذات ليلة، على إثر سماء من الليل، فقال: "قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا، فإنه كافر بي مؤمن بالكوكب، ومن قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب". اهـ

رواه البخاري.

قوله: "بنوء" النوء، هو: النجم، والباء للسببية، أي: أن هذا المطر من النجم.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً، يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد، فصلّى بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ رأيته قطّ يفعله، وقال: "هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن يخوّف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره". اهـ

رواه البخاري.

وعن قتادة رحمه الله في قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) قال: "خلق هذه النجوم لثلاث، جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك، أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلّف ما لا علم له به". اهـ

رواه البخاري.

قلت: ولما أراد محمد بن هارون العبّاسي، الذي يلقبونه بالمعتصم، غزو عمّوريَّة، جاء بالمنجمين، وكان جهمياً معتزليّاً ضالاً، يؤمن بالشعوذة والكهانة، فطلب منهم أن ينظروا في النجوم، ليروا لمن تكون الكرّة، فلما نظروا في النجوم بزعمهم، قالوا: الكرّة عليك. لكن عزمه لم ينثني، فصمم غزو عمّوريّة، وتغلّب عليها، وبان كذب المنجمين وافتضحوا، فقال أبو تمام شعراً:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حده الحدّ بين الجدّ واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف

في متونهن جلاء الشك والرِيَب

والعلم في شهب الأرماح لامعة

بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية بل أين النجوم وما

صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرصاً وأوهاماً وأحاديثاً ملفقة

ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب

عجائباً زعموا الأيام مجفلة

عنهن في صفر الأصفار أو رجب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة

إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

وصيّروا الأبرج العليا مرتبةً

ما كان منقلباً أو غير منقلب

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة

ما دار في فلك منها وفي قطب

لو بيّنت أمراً قطّ قبل موقعه

لم تخف ما حلّ بالأوثان والصلب

باب ما جاء في النشرة

والنُشرة هي: الرقية.

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن النشرة، فقال: "هي من عمل الشيطان". اهـ

رواه أحمد وأبو داود.

وعن قتاد بن دعامة قال: قلت لسعيد بن المسيّب: رجل به طبّ، أو يؤخذ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنشَر؟ قال: لا بأس، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس، فلم ينه عنه.

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، فقال: "يا عائشة، أعلمت أن الله استفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والأخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: وفيم؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطَة. قال: وأين؟ قال: في جفّ طلعت ذكر، تحت راعوفة، في بئر ذروان". قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: "هذه البئر التي أُرِيتُها، وكأن ماءها نقاعة الحنّاء، وكأن نخلقها رؤوس الشياطين". قال: فاسْتُخْرِج، قالت: فقلت: أفلا؟ أي: تنشّرت؟ قال: "أمّا الله فقد شفاني، وأكره أن أُثير على أحدٍ من الناس شرّا".

رواه البخاري.

وعن الحسن البصري، في النشرة: أنها من عمل الشيطان.

رواه ابن أبي شيبة.

وروى أبو بكر بن أبي شيبة، في مصنفه، عن إبراهيم قال كانوا يكرهون التمائم، والرقى، والنشر.

قال ابن القيّم في إعلام الموقعين: والنشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان؛ فإن السحر من عمل فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور، والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر.

قلت: قد علمت ممن تاب من السحر، أن الساحر لا يكون ساحراً، حتى ينسلخ من دينه، ويتقرب إلى الشياطين بأنواع القربات، كدعائهم، والاستغاثة بهم، وتقديم القرابين لهم، فبما أن هذا كذلك، فإن عمل الساحر كفر كله، سواء في الشرّ أو في الخير؛ لأن الخير الذي يريده، لا يقع إلّا بعد أن يكفر هو، ومن كرهه، أو توقف فيه من العلماء، إنما أتي من جهة جهله بحال السحرة، وحقيقة عملهم، وبهذا نعلم أن حل السحر بسحر مثله لا يجوز، وأنه ينبغي على المسحور، أن يتداوى كما تداوى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بالقرآن العظيم، والأدعية الشرعية؛ والأدعية الشرعية، هي: الأدعية التي يخلص فيها الدعاء إلى الله عز وجل، واللجوء إليه والاستعاذة والاستغاثة والاستعانة به.

والله أعلم وأحكم.

باب حكم السحر والكهانة

قال تعالى في سورة البقرة: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)

قلت: لما توفي نبي الله سليمان عليه السلام، جائت الشياطين إلى بني إسرائيل، فقالوا لهم: الا نخبركم كيف كان يتحكم سليمان في الجنّ؟ فقالوا: بلا. فأملوا عليهم السحر، فدونه اليهود في الكتب، فانقسمت اليهود في شأن نبي الله سليمان، ثلاث فرق:

فرقة قالت: هو ساحر كذاب، وهم يهود السامرة.

وفرقة قالت: هو نبيٌّ كريم، وعمله بالسحر، دليل على جواز العمل بالسحر، وتعلموه، وعلّموه، وعملوا به، مع أنهم يجدون في كتبهم، أن عمل السحر لا يجوز!

وفرقة قالت: هو نبيّ كريم، ولم يكن ساحراً ولم يعمل بالسحر، وما ألقته الشياطين، كذب، وتلبيس على الناس، وهي الفرقة الناجية بإذن الله.

فبرأ الله نبيّه سليمان من السحر ومن الكفر، فقال: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ) لأنه لا يتعلم السحر ولا يعمل به إلّا كافر.

وأما هاروت وماروت، فهما ملكان كريمان، أنزلها الله تعالى فتنة لعباده، يعلمون من توصّل إليهم السحر، ولا يعلِّمان أحداً، حتى يعضونه في نفسه، فإن أصرّ علّموه.

وقوله: (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي: ماله في الأخرة من نصيب، ومآله إلى النار، وبئس المصير.

وقال تعالى في سورة يونس: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله والسحر" .. الحديث.

رواه البخاري.

وقال بجالة بن عبدة: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن اقتلوا كل ساحرٍ وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر. اهـ

رواه أبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم" اهـ

رواه أبو داود.

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من تطيّر أو تُطِيّر له، أو تكهّن أو تُكهٍّن له، أو سحر أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم". اهـ

رواه الطبراني.

والكاهن، يشمل كل مدعٍ لعلم الغيب، فيدخل فيه، الرمّالين، وقرّاء الفنجان، وقرّاء الكفّ، والذين يضربون بالودع، ومن في حكمهم، ممن يتواصلون مع شياطين الجنّ.

وعن قبيصة رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العيافة، والطرق، والطِيَرة، من الجبت". اهـ

قال عوف: "العيافة، زجر الطير، والطرق، الخطّ يخط بالأرض، والجبت، قال الحسن: رنّة الشيطان". اهـ

رواه أبو داود.

وعن عبدالله نب عباس: "الجبت رنّة الشيطان". اهـ

رواه الطبري.

ومثله عن قتادة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عقد عقدة ثم نفخ فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلّق شيئاً وُكِل إليه". اهـ

رواه النسائي والطبراني.

قلت: وقد سمعنا من بعض السحرة والكهنة، ممّن منّ الله عليهم بالتوبة من هذا العمل، أن الساحر والكاهن، لا يكون كذلك، حتى يكفر بالله تعالى، ويقدّم القرابين لشياطين الجنّ، ويعبدهم من دون الله تعالى، ومن ادّعى الإسلام منهم، فإنما يدّعيه نفاقاً.

باب لا يعبد لله بمكان يعبد فيه غير الله

عن ثابت بن الضحّاك رضي الله عنه، قال: "نذر رجلٌ أن يذبح إبلاً ببُوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال رسو الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" اهـ

رواه أبو داود.

وقال تعالى في سورة التوبة: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

قال أهل العلم: وذلك أن المنافقين، ابتنوا مسجداً ليكون لهم عذراً إذا اجتمعوا فيه للكيد بالمسلمين، وقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتظاهروا أنهم يريدون أن يصلي لهم فيه للبركة، لكي لا يشك فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد استعد للخروج لغزوة تبوك، فوعدهم أن يأتيهم بعد قدومه من الغزو، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، جاءه الوحي بخبر المسجد، فبعث أناساً من الصحابة إليه فهدموه.

قلت: ومن مساجد الضِرار، المساجد التي بناها أهل البدع والزيغ والضلال، والفرقة والكلام والجدل، ليصدوا الناس عن دين الله عز وجل، وينشروا من خلالها بدعهم المضلّة، وأراءهم الرخيصة، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.

باب النهي عن الذبح والنذر والصدقة لغير الله

قال تعالى في سورة الأنعام: (وَلَا تَأۡكُلُوا۟ مِمَّا لَمۡ یُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقࣱۗ وَإِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ لَیُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕهِمۡ لِیُجَـٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ)

فحكم الله عز وجل هنا على من لم يذكر اسم الله تعالى على الذبيحة بأنه مشرك.

مع أنه لم يذكر اسم غير الله تعالى.

وحكم سبحانه وتعالى، بأن كل ذبح لم يذكر اسم الله عليه فهو حرام.

فمن يجيز الذبح دون ذكر اسم الله تعالى، أو يجيز الذبح على غير اسم الله تعالى، سواء أشرك ذكر اسم المخلوق المذبوح له مع ذكر اسم الله تعالى، أو ذبح على اسم هذا المخلوق وحده، كمن يجيز الذبح على ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلل ذلك بأنه أراد التبرك بذكر اسمه، فهو من أولياء الشيطان.

ولكن البعض قد يستشكل عليه، كيف يكون الذبح للمخلوق على أمر يستطيعه، دون ذكر اسم الله تعالى، ودون ذكر اسم هذا المخلوق، ذبحاً شركياً؟

ولتتبيّن لك المسألة، أذكر هنا خبراً ذكره الشيخ حامد آدم، وهو من بلاد السودان، في محاضرة له، وكان هذا الرجل مشعوذاً وساحراً، ثم تاب إلى الله تعالى وأسلم.

فقد ذكر الشيخ حامد آدم، أن الجِنّ كانت تأمره أن يذبح لهم ذبيحة كقربان لهم، ليقوموا بخدمته، وأنهم كانوا يشترطون عليه، أن لا يذكر اسم الله تعالى، وكانوا يأمرونه أن يعضّ على حديدة أو خشبة أو أي شيء، لكيلا ينسى ويذكر اسم الله تعالى على الذبيحة بالخطأ.

فنجد هنا، أن الجنّ لم تأمره بأن يذكر اسم ملكها الذي تُقدَّم له الذبيحة ولا اسم أحدهم، بل اكتفوا بعدم ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة، مع أن الذبيحة قُدِّمت لهم على أمر يستطيعونه.

ولو لم يكن الجنّ يعلمون أن هذا النوع من الذبائح شرك أكبر، لما افترضوه على أوليائهم من شياطين الإنس. 

ومن هنا يتبيّن لنا، أن هذا النوع من الذبائح، هي ذبائح شركية.

وقال تعالى في سورة الأنعام أيضاً: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

قلت: النسك، هي: الذبيحة.

وقال تعالى في سورة الكوثر: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)

وقال محمد بن كعب القرظي في تفسير هذه الآية: "إن أناساً كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد، فلا تكن صلاتك ونحرك إلّا لي". اهـ

رواه الطبري.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله". اهـ

رواه مسلم.

وقال تعالى في سورة البقرة: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)

قلت: فكل عمل، تريد به التقرب، لجلب نفع أو دفع ضرٍّ، لا يستطيع جلبه ولا دفعه إلا الله تعالى، فلا يجوز صرفه لغير الله تعالى؛ لأنه سبحانه جالب الخيرات ودافع المضرات.

وليس كل ذبح أو نذر أو صدقة شرك أكبر.

فمن الذبح ما لا يكون شركاً، كذبح الرجل لنفسه ليطعمها، ولأهل بيته ليطعمهم. 

أو كذبح الرجل لضيفه إكراماً له.

أو كذبح الرجل لرجل تقرباً له، ليقضي له حاجة من حوائج الدنيا، التي يقدر المخلوقون عادة على قضائها.

فيذبحها ويقدمها إليه على أنها هديّة أو ضيافة.

إلا أن الله تعالى، اشترط علينا في كل ذلك، أن نذكر اسمه العظيم عليها عند الذبح.

فلا تحلّ ذبيحة لم يذكر اسم الله تعالى عليها.

ولكن الذبيحة تكون شركاً، إذا قدّمت لمخلوق تقرباً له، ليقضي حاجة من الحوائج التي لا يستطيع قضاءها إلا الله تعالى.

أو يقدم الذبيحة لمخلوق تقرباً وتزلفاً دون ذكر اسم الله عليها، أو بذكر اسم هذا المخلوق عليها عند الذبح، بدل ذكر اسم الله تعالى، أو مع ذكر اسم الله تعالى عليها، فهنا تكون هذه الذبيحة، شرك أكبر.

وكذلك النذر، فمن نذر لمخلوق لأجل أن يقضي له حاجة من حوائج الدنيا التي يقدر عليها المخلوقون عادة، فهذا نذر جائز، شرط أن لا يكون رشوة أو حراماً.

كقول الرجل للرجل: إن فعلت لي ما أريده، فعلت لك ما تريده.

ولكن النذر يكون شركاً، إذا قًدِّم لمخلوق تقرباً له، ليقضي حاجة من حوائج الدنيا التي لا يستطيع قضاءها إلا الله تعالى.

وأما الصدقة فلا يجوز تقديمها كقربان إلّا لله تعالى، في جميع الحالات، فإن تصدق رجل تقرّباً لمخلوق أخر، لأجل أن يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرّة لا يستطيع جلبها أو دفعها إلا الله تعالى، فهذا العمل شرك أكبر، وإن كان لأجل أمرٍ يستطيعه المخلوق، فهذه الصدقة معصية، دون الكفر.

والعلّة في كون دعاء المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو الذبح له والنذر له أو التصدّق له، للتقرب لقضاء حاجة لا يستطيع قضاءها إلا الله تعالى، هو أن الداعي جعل لله مثيلاً وكفواً وندّاً.

باب أن النبي لا يملك لأمّته نفعاً ولا ضرّا

قال الله تعالى في سورة الجنّ: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلاَّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أنزل الله عزّ وجلّ: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال: "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبدمناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطّلب، لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفيّة عمّة رسول الله، لا أغني عنكِ من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنكي من الله شيئا". اهـ

رواه البخاري.

قلت: وفي هذا الحديث فائدتنا عظيمتان:

أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقدر على نفعنا أو ضرّنا، إلّا فيما يقدر عليه عامّة الناس، فما لا يقدر عليه عامّة الناس، فإن النبي لا يقدر عليه، والدليل قوله: "سليني ما شئتِ من مالي" أي: أنه لا يقدر على اغاثتها أو اعانتها أو اعاذتها، إلّا فيما يقدر عليه عامّة الناس فقط.

وثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خليل الرحمن، وصفوته من خلقه، وخاتم أنبياءه، وسيّد الأولين والأخرين، لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضرّاً، في حياته، فكيف بعد مماته! وما بالكم بمن هو دونه صلى الله عليه وسلم، من الأنبياء، والأولياء، والمشايخ، والرؤساء، هل يعقل أن يملكوا لنا ما لا يستطيع نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يملكه لنفسه ولا لغيره؟!

باب النهي عن الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة بغير الله تعالى

والاستغاثة والاستعانة والاستعاذة من الدعاء.

قال الله تعالى، موجهاً عباده المؤمنين، في سورة الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه: قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إياكَ نُوحِّد ونخاف ونرجو، يا ربَّنا لا غيرك. وقوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) على طاعتك وعلى أمورنا كلها. اهـ

رواه ابن أبي حاتم.

وعن قتادة قال: "يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم". اهـ

رواه ابن أبي حاتم.

وقال تعالى في سورة آل عمران: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

وقال تعالى في سورة الأنفال: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)

وقال تعالى في سورة الأعراف: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

قلت: فهذه هي صفات المؤمنين المخلصين من عباد الله تعالى، لا يستغيثون، ولا يستعينون، ولا يستعيذون، إلّا بالله تعالى في جميع أمورهم، ولا يعني قولي أن نفرد الله تبارك وتعالى بالاستغاثة والاستعانة والاستعاذة، أن نبطل الأسباب التي خلقها الله لنا، لنتسبب بها، فإن الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق من أمور الدنيا جائز شرعاً وعقلاً، ولكن تؤمن إيماناً صادقاً، أن هذه الأسباب، لا تنفع ولا تضرّ، إلّا بإذن الله تعالى، فإذا يسّر الله لك شيء، يسّر لك أسبابه، وإذا منع عنك شيئاً منع عنك أسبابه.

باب ذم الله عز وجل للمشركين في دعائهم غيره

قال الله تعالى في سورة الحج: (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)
وقال تعالى في سورة الأحقاف: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)
قلت: وفي هذه الآية، أعظم دليل، على أن من لا يستطيع أن يخلق شيئاً، ولا يملك مع الله شيئاً، لا يستحق العبادة، ولا يستحق أن يدعى من دون الله تعالى، أيّاً يكن هذا المدعو، لا ملك مقرّب، ولا نبيٌّ مرسل، ولا ولِيٍّ صالح، فضلاً عن الأشجار أو الأحجار. 
وفيه يطالب الله تعالى، المشركين، الذين يدعون الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء أو الجنّ أو الأشجار أو الأحجار، بأن يأتوا بالدليل على جواز دعائهم غيره، فقال تعالى: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وفي هذا دليل على أن من عمل عملاً من العبادات، لم يكن عنده فيه خبر عن الله أو رسوله، أنه غير معذور فيه.
وقد ثبت بالعقل الصحيح والفطرة السليمة أن المخلوق قدرته قدرة مخلوق، حتى لو كان هذا المخلوق ملاكاً أو نبيّاً أو وليّاً أو شيخاً أو جنّيّاً، فالميّت والغائب، لا يمكن أن يسمعنا أو يبصرنا أو يعلم بحالنا، كما أن الحيّ الحاضر، لا يقدر على إعانتنا إلا فيما يقدر عليه المخلوقون عادة من أمور الدنيا، فإن زعم زاعمٌ أن الله تعالى اختص أحداً من خلقه، بأن جعله مثيلاً له في كمال صفة من صفاته، وجعله شريكاً له في أمره ونهيه، قلنا له: هذا أمر لا يثبت بالعقل والفطرة، ولا يمكن عِلمه إلا بالخبر عن الله أو عن رسوله، فإن كان لديه دليل من الكتاب والسنة وإلا فمن أين جاء به. فأما الكتاب والسنة فلم يرد فيها شيء من ذلك، فلم يتبقى إلا أن هذا المدّعي، يفرتي على الله وعلى رسوله الكذب.
والله أعلم وأحكم.

باب النهي عن شرك الدعاء

 قال تعالى في سورة الجنّ: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)

قال قتادة بن دعامة: كانت اليهود والنصارى، إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم، أشركوا بالله، فأمر الله نبيّه، أن يوحِّد الله وحده. اهـ

رواه الطبري.

وقال عكرمة: المساجد كلها. اهـ

رواه الطبري.

وقال تعالى في سورة الأنعام: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)

وقال تعالى في سورة غافر: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

قلت: فالله تعالى يأمرنا في هذه الآيات، أن نفرده بالدعاء، ولم يقل: ادعوا الملائكة، أو الأنبياء، أو الصالحين، أو المشايخ، أو ادعوا النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحداً من أهل بيته، بل أمرنا بدعائه وحده لا شريك له، فوجب الخضوع لأمره، والتسليم لحكمه.

باب شرك الدعاء

وهو أعظم أنواع الشرك.

عن النعمان بن بشر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة". ثم قرأ قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر].

رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

قلت: إذا كان الدعاء هو العبادة، فإن الشرك فيه، هو أعظم أنواع الشرك وأخطرها، وهو الشرك الذي وقع فيه مشركوا العرب قبل الإسلام، ووقع فيه كثير من المتكلمين والشيعة والصوفية، فاعلموا أن الأرزاق ملك الله، فلا تسألوها إلا من الله، والغنى والفقر، والنصر والهزيمة، والصحة والمرض، والعافية والبلوى، والسعادة والشقاوة، والهداية والضلالة، والجنّة والنّار، كلها ملك الله عز وجل، فلا يهب الغنى والنصر والصحة والعافية والسعادة والهداية والجنّة، سوى الله، فلا تسألوها إلّا من الله، ولا يدفع الفقر والهزيمة والمرض والبلوى والشقاوة والضلالة والنّار، سوى الله، فلا تسألوا دفعها إلّا من الله، فمن سأل شيئاً من ذلك، ملكاً مقرّبا، أو نبيّاً مرسلا، أو وليّاً صالحا، أو إنسياً، أو جنّيّاً، فضلاً عن الأحجار والأشجار، فقد وقع في الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله تعالى، إلا إذا شاء.

وليس كل دعاء شرك، فالعرب تسمّي النداء: دعاء. كقولنا: يا زيد أفعل، ويا زيد لا تفعل، ونحو ذلك. 

وكذلك دعاء الناس بعضهم بعضاً، عندما يستغيث ويستعين ويستعيذ بعضهم ببعض، فيما يقدرون عليه من أمور الدنيا، مثل أن يدعو رجُلاً ليعينه على حمل شيء ثقيل، أو يدعو الطبيب إلى منزله ليعالجه، أو يدعو رجلاً لينصره على عدوه، فيقاتل معه بنفسه أو برجاله، أو يدعو آدميّاً ليعينه بشيء من ماله.

هذا كله مباح، لأن المخلوق يقدر عليها.

وإنما يكون الدعاء شركاً، إذا صرف لغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى. أو صرف لغير الله تعالى في حال يكون فيها هذا المدعو عاجزاً عن سماعك أو رؤيتك أو العِلم بحالك. كأن يكون في مكان بعيد، أو يكون ميتاً، ويعيش في عالم أخر، حتى لو كان ما تدعوه إليه، مما يقدر عليه المخلوقون عادة، فإذا كان المدعو في مكان بعيد، أو ميِّت، فلا يجوز دعاءه بحال.

فهنا يكون الدعاء شركاً.

ويكون عملك عبادة شرعية، لا يجوز صرفها إلا لله تعالى.

فالعبادة في معناها اللغوي، تختلف عن العبادة في معناها الشرعي. فالعبادة لغة: هو كل عمل فيه خضوع وخنوع وذِلَّة. 

والعبادة شرعاً: هي كل عمل فيه خضوع وخنوع وذِلَّة، ويجب أن لا يصرف لغير الله تعالى. وهذا هو ضابط العبادة الشرعيّة. 

فالعبادة في معناها اللغوي، هي كعبودية الشعوب لملوكها، والرجل لوالديه، والعبيد لأسيادهم. 

وأما العبادة الشرعيّة، فهي أن تتعبد لله تعالى وحده لا شريك له، بأعمال لا يجوز أن تصرفها لغيره. كأن تدعو الله تعالى في أمر لا يستطيعه إلا هو سبحانه، أو تذبح لله وتنذر له، لتتقرب له، لقضاء حاجة لا يستطيع قضاءها إلا هو سبحانه، أو تعبد الله تعالى بأعمال أمرك أن تعبده بها، كالصلاة والزكاة والصوم والحج، ونحو ذلك، ويشمل ذلك الأعمال القلبية، فتجعل حبك لله أعظم الحب، وخوفك منه أعظم الخوف، ورهبتك منه أعظم الرهبة، وخشيتك منه أعظم الخشية، ورجاءك له أعظم الرجاء. فلا تجعل لله تعالى مثيلا ولا كفواً ولا نِدّاً في ذلك كله، فإن صرفت شيئاً من ذلك لغير الله تعالى، فقد وقعت في الشرك الأكبر.

فضابط العبادة له شرطان: 

الأول: أن يكون العمل يراد به الخضوع والخنوع والذُلّ. 

والثاني: أن لا يجوز صرفه لغير الله تعالى.

ولذلك، فإن العلماء الذين اشترطوا في دعاء المخلوق ليكون مباحاً، أن يكون المخلوق حيا لا ميتا، وحاضرا لا غائبا، وأن يكون دعاءه فيما يقدر عليه المخلوقون عادة من أمور الدنيا، كانوا مصيبين في ذلك، وقد دلّ هذا على أن الله تعالى رزقهم الفهم العميق لهذه المسألة.

باب حكم الشرك

قال تعالى في سورة النساء: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)

وقال في سورة النساء أيضاً للتوكيد: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا)

وقال تعالى في سورة المائدة: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بلالا فنادى في الناس: "أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة".

رواه مسلم.

قلت: وبهذا نعلم أنه من مات على الشرك الأكبر، فهو خالد مخلّدٌ في النّار، عياذاً بالله تعالى من غضبه.

باب بيان الشرك

باب بيان الشرك وأصله

قال الله تعالى في سورة الشورى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

والكاف في قوله: (كمثله) للتوكيد.

ومعنى ذلك: أن الله تعالى لا يماثله شيء في كمال صفاته، والعرب تقول: ليس كمثل فلان أحد. يريدون بذلك التباين في كمال الصفات، بين فلان هذا وبين غيره من الناس، ولا يزال عرب الجزيرة العربيّة يقولون: فلان ما مثله أحد. و "ما" هنا بمعنى: ليس.

وقال تعالى في سورة الإخلاص: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)

أي: ليس لله تعالى مكافئ من خلقه في كمال صفاته، والعرب تقول: فلانٌ ليس كُفئاً لفلان، أي: ليس مثيلاً له في كمال صفاته.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت، أو سئل، رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" .. الحديث.

رواه البخاري.

والنِدّ والكفء والمثيل، معانٍ مترادفة.

فالشرك أن تجعل لله ندّاً ومثيلاً وكفئاً في كمال صفاته، وهذا هو أصل الشرك.

وإذا جعلت مخلوقاً ندّاً ومثيلاً وكفئاً لله تعالى، فهذا يترتب عليه، أن يكون المخلوق شريكاً لله تعالى في ملكه وخلقه وأمره ونهيه.

وآية ذلك، أنك ترى أن المخلوق قادر على جميع ما يقدر عليه الله تعالى، أو على بعض ما يقدر عليه الله تعالى، مما لا يقدر عليه إلّا الله تعالى في الحقيقة.

فمثلاً: أن تدعي أن المخلوق عنده من قوّة السمع، ما يقدر به على أن يسمعك وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

أو تدعي أن المخلوق عنده من قوة البصر، ما يقدر به على أن يراك وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

أو تدعي أن المخلوق عنده من قوة العِلم، ما يقدر به على أن يعلم بحالك، وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

أو تدعي أن المخلوق عنده من القوة والقدرة، ما يقدر به على أن يغيثك أو يعينك أو يعيذك، وهو في مكان بعيد، أو وهو ميّت، ويعيش في عالم أخر.

كل هذه الاعتقادات، تفيد أن العبد، قد جعل من المخلوقات من يماثل ويكافئ الله تعالى في كمال صفاته، التي لا يستحقها إلّا هو، وهذا هو الشرك الأكبر.

ويترتب على ذلك، صرف العبادة لغير الله تعالى، حبّاً لهذا المعبود، أو خوفاً منه، معتقداً فيه النفع والضر، سواء اعتقد المشرك أن هذا المعبود ينفعه أو يضره استقلالاً من دون الله تعالى، أو اعتقد أنه ينفعه ويضره لما له من مكانة ووجاهة عند الله تعالى، فهو يصرف له شيئاً من العبادة، ليكون له شفيعاً ووسيطاً ووسيلةً عند الله تعالى، والنوع الثاني، هو الشرك الذي وقع فيه مشركوا العرب قبل الإسلام.

قال تعالى في سورة يونس: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

وقال تعالى في سورة الزمر: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)

قال مجاهد بن جبر: "قريش تقوله للأوثان، ومن قبلهم يقوله للملائكة، ولعيسى بن مريم، ولعزير" اهـ

رواه الطبري.

قلت: وفي هذا ردٌّ على مشركي الصوفية والشيعة، الذين يزعمون أن دعاء الأحياء من الملائكة والأنبياء والأولياء، ليس كدعاء الأصنام والأشجار والأحجار، وأن دعاء الأحياء ليس شركاً، بل يستحبونه ويحثّون عليه، ويزعمون أنه أفضل من دعاء الله وحده، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف: 5]

وقال قتادة بن دعامة: قالوا: ما نبعدهم إلا ليقربونا؛ أي: ليشفعوا لنا عند الله. اهـ

رواه الطبري.

وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: قالوا: هم شفعاؤنا عند الله، وهم الذين يقربونا إلى الله زلفى يوم القيامة، للأوثان، والزلفى: القربى. اهـ

رواه الطبري.

وقال تعالى في سورة الزمر، منكراً على من يتخذ الشفعاء: (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ)

وقوله: (أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ) أي: أن ما تدعونهم من دونه، وتتخذونهم شفعاء بيني وبينكم بزعمكم، لا يملكون شيئاً، وهذا دليل على أن من لا يملك شيئاً لا يدعى من دون الله تعالى، ولا يكون شفيعاً بهذه الطريقة، ولا يعقلون، أي: لا يعقلون ما تقولونه من دعائهم، فضلاً عن أن يستجيبوا لكم! فتبيّن من خلال هذه الآية، أنه يجب فيمن يدعى أن يتوفر فيه شرطان: وهما: انفراده بالملك وأن يكون عاقلاً، وهاتان صفتان لا تليق إلا بالله، فتوجب أن لا يدعى إلا هو وحده لا شريك له، ولا يتخذ العباد بينهم وبينه شفعاء، يدعونهم من دونه، ويذبحون لهم، وينذرون لهم.

وقال تعالى في سورة الأنعام:(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)

وقال تعالى في سورة الروم: (وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ)

قلت: وذلك يوم القيامة، إذا انزاح الباطل عن أولئك المشركين، وعلموا سوء عملهم، وتبرأت منهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا، وتبرأ منهم الأنبياء والأولياء، بل وتبرأ منهم طواغيتهم الذين كانوا يدعونهم لعبادتهم من دون الله تعالى، ويقدمون لهم أنفسهم على أنهم أولياء صالحين، وبررة متقين.

فإن قيل: كيف أميِّز بين قوة وقدرة الله تعالى وبين قوة وقدرة المخلوق؟

والجواب على ذلك: أن تنظر في عامة الناس، فما لا يقدر عليه عامة الناس، فإن الملائكة والأنبياء والأولياء والمشايخ والجن لا يقدرون عليه، فضلاً عن الأشجار والأحجار.

ويوضّح ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنكي من الله شيئا، سليني من مالي ما شئتِ".

فمعنى قول النبي، أنه لا يقدر إلا على ما يقدر عليه المخلوقون عادة، فما لا يستطيعه أي مخلوق، فإن النبي لا يستطيعه، إنما يملك النبي أن يشفع للناس بدعائه فقط، فيدعو الله لهم إذا كان حياً؛ وهذا شرط؛ لأنه لا يتصور بالعقل أن النبي يسمعنا وهو ميّت أو يسمعنا وبيننا وبينه مسافة بعيدة أو هو في عالم ونحن في عالم أخر.

وهذا النوع من الشفاعة، وهو الدعاء للناس، يقدر عليه كل أحد، وليس الأنبياء وحسب، وكما قلنا أن الأنبياء لا يقدرون إلا على ما يقدر عليه عامة الناس عادة، إلا أن دعاء الأنبياء أحرى أن يستجاب، لأنهم أصفياء الله من خلقه، بينما غيرهم، نسبة استجابة الله لدعائهم أقلّ.

مع الأخذ في الاعتبار، الفارق بين هذه المخلوقات في قوتها وقدرتها، فهذه المخلوقات بعضها أكمل من بعض، ولكن جميعها تبقى قوتها وقدرتها قوة وقدرة مخلوق، تكون في أشياء معيّنة ومحدودة.

فعندما تستغيث ببشر لينصرك على عدوّك، إنما تريد منه أن يأتيك بنفسه، أو يبعث رجالا إليك نيابة عنه، أو على الأقل يعطيك سلاحاً، أو مالاً لتشتري به سلاحاً، ولا يمكن أن يكون مرادك من الاستغاثة به أن ينزل الخوف في قلوب عدوك، أو يقوي قلبك وعزمك حتى يجعله أقوى من قلب وعزم عدوّك، أو يبعث ملائكة لينصروك، أو يبعث ريحاً على أعدائك، لأن هذه الأمور لا يقدر عليها إلا الله تعالى، فإن زعمت أن المخلوق قادر على مثل ذلك، بدعوى أن له مكانة ووجاهة عند الله، فقد جعلته لله ندّاً في قوته وقدرته سبحانه، وهذا هو الشرك الأكبر.

والطبيب، يذهب إليه الناس ليجدوا الشفاء عنده من مرضهم، ولكن الطبيب حتى يستطيع شفائك من مرضك، يجب عليه أولاً أن يفحص جسدك، وقد يهتدي لموضع العِلة وسببها وقد لا يهتدي، ثم يبحث لك عن علاج، وقد يهتدي لعلاج علّتك وقد لا يهتدي، ثم هو إذا عرف علتك، لا يستطيع "خلق" دواء علّتك، وإنما يبحث عن الدواء، بين ما خلق الله تعالى من أعشاب أو ثمار، فإن لم يجد، أو لم يعرف أيّ الأدوية هو الوسيلة لشفاء مرضك، فسوف يكون عاجزاً تماماً عن شفائك، ثم أنت لا تعلم هل هذا الطبيب، طبيب متقن لعمله، خبير به أم لا.

ولكن من الذي عنده القدرة على أن يهديك إلى الطبيب الحاذق، ثم يوفّقه لمعرفة علّتك، ثم يوفقه لإيجاد الدواء الصحيح لهذه العِلّة؟

ومن خلق لك الدواء ابتداء على غير مثال سابق؟

الجواب: هو الله وحده لا شريك له.

فقدرة الطبيب محدودة، وحتى يشفيك من مرضك، يحتاج هو نفسه إلى بذل الأسباب التي وضعها الله له، مع توفيق الله تعالى، لمعرفة علّة المريض، وأيضاً المريض نفسه، يحتاج إلى بذل الأسباب مع توفيق الله له ليُشفى من مرضه.

أما الوحيد الذي يملك أن يهديك ويهدي الطبيب إلى الطريق الذي من خلاله تصل إلى الشفاء من مرضك فهو الله وحده.

وهو وحده، الذي خلق المرض وخلق دواءه، وهو الذي علّم الطبيب، ما لم يكن يعلم، وهو الوحيد القادر على أن يشفيك من مرضك بلا أسباب.

ومن يعتقد في الطبيب هذا الاعتقاد، فقد جعل من الطبيب نداً لله تعالى، ووقع في الشرك الأكبر.

لذلك أنت إذا مرضت، تبدأ بسؤال الله تعالى الشفاء. ثم تتسبب بالأسباب التي وضعها الله تعالى لعباده ليتسببوا بها، طاعة له سبحانه، لأنه هو من أمرنا بأن نأخذ بالأسباب، وإلّا لأي شيء سبّب الأسباب؟! 

فالله تعالى لا يريد من مخلوقاته أن تكون اتكاليّة، فكما أنك لتأكل يجب عليك أن تبذل السبب لتنال به الطعام، وهو أن تعمل، فكذلك لتشفى من مرضك عليك أن تبذل السبب الذي يعينك على الشفاء من مرضك.

وفي جميع جوانب حياتك لتصل إلى مطلوبك، تبدأ بسؤال الله تعالى، وتبذل الأسباب التي توصلك إلى هذا المطلوب.

والله يستجيب لك إن شاء، ويعينك إلى الوصول إلى مطلوبك.

ولذلك تجد أئمة الإسلام حقاً وصدقاً وضعوا شروطاً لهذا الدعاء المباح، ليتميّز عن الدعاء الشركي، وهي:

1- أن يكون المدعو حياً لا ميتاً.

2- أن يكون حاضراً لا غائباً، أو ما يقوم مقام ذلك، كالرسائل.

3- أن يكون في أمر من أمور الدنيا التي يستطيعها البشر عادة.

فالميّت والغائب، لا يمكن أن يسمعك إذا ناديته، ولا أن يراك، ولن يعلم عن حالك شيئاً، ففي جميع الأحوال لا يجوز دعاء الميّت والغائب، سواء فيما يستطيعه المخلوق، أو فيما لا يستطيعه إلا الله تعالى، لأنك بذلك جعلت المخلوق ندّاً لله تعالى في كمال سمعه وبصره وعلمه وقوّته وقدرته على غوثك أو اعانتك أو اعاذتك.

كما أن المخلوق لن يستطيع أن يغيثك أو يعينك أو يعيذك إلا فيما يقدر عليه المخلوقون عادة من أمور الدنيا، لذلك لا يجوز دعاء المخلوقين في أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى، حتى لو كان حيّاً وحاضراً، لأنك لو فعلت ذلك، فقد جعلته ندّاً لله تعالى في قوّته وقدرته على غوثك أو اعانتك أو اعاذتك.

وكل هذه المسائل مدركة بالعقل الصحيح والفطرة السليمة، وهو أن العبد، قادر على التمييز بين ما يستطيعه عامة الناس وما لا يستطيعونه، وأن الميّت والغائب لا يمكنهما أن يسمعاك أو يبصراك أو يعلمان عن حالك شيئاً، كما يدرك بالعقل الصحيح والفطرة السليمة أن المخلوقين لا يمكن أن يغيثوك أو يعينوك أو يعيذوك إلا فيما يقدر عليه المخلوقون عادة من أمور الدنيا، فكيف تدعوهم في ذلك!

فإذا وجدت شخصاً يدعوا إنساناً فيما يستطيعه عامة الناس عادةً، وبالشروط التي ذكرناها أعلاه، فهذا من الدعاء المباح، وإن وجدت إنساناً يدعو إنساناً فيما لا يستطيعه عامة الناس عادةً، فاعلم أن هذا من الدعاء الشركي، الذي لا يغفره الله تعالى، لأنه جعل لله تعالى ندّاً في قوّته وقدرته.ِ

باب الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك

 قال تعالى في سورة آل عمران: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)

قال عبدالملك بن جريج في قوله: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) أي: لا يطع بعضُنا بعضًا في معصية الله.

رواه الطبري.

وقال تعالى في سورة النساء: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)

عن عبدالله بن عباس قال: أي: وحّدوا.

رواه ابن أبي حاتم.

وقال تعالى في سورة الأنعام: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم، التي عليها خاتمه، فليقرأ: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى قوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا).

رواه الترمذي في جامعه.

وقال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ)

وقال تعالى في سورة النحل: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)

قلت: والطاغوت، هو كل من طغى العباد، أي: تجاوزوا الحدّ في حبّه وتعظيمه، حتى جعلوه ندّاً لله تعالى، فصرفوا له شيئاً من العبادة، من الدعاء، أو الاستغاثة، أو الاستعانة، أو الاستعاذة، فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، أو الذبح له، أو النذر له، تقرباً إليه، لجلب نفع أو دفع ضر، وكل من صرف شيئاً من ذلك لغير الله تعالى، فقد جعله ندّاً لله تعالى، وإن زعم أنه لم يجعله ندّاً لله، فإن الأفعال تفضح الحقائق، ولولا أنه لا يعتقد بانه ندٌّ لله تعالى، ما صرف الدعاء له من دون الله.

باب الغاية من خلق الجنّ والإنس

 قال تعالى في سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)

قال علي بن أبي طالب: ليعبدون، أي: ليوحدون.

رواه البخاري.

وقال تعالى في سورة الملك: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)

وقال تعالى في سورة المؤمنين: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)

باب أسماء الله الحسنى وصفاته العلى

 قال تعالى في سورة طه: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى)

وقال بعض السلف: الاسم هو المسمى.

قلت: الاسم من حيث كونه حروف وأصوات، فهو للمسمى، ومن حيث كونه يدل على ذات المسمى، فهو ذات المسمى؛ لأنك عندما تدعو الشيء باسمه، فإنما تريده بذاته، ولا تريد شيئاً غيره.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلّا واحداً، من أحصاها دخل الجنّة". اهـ

وفي رواية: "من حفظها دخل الجنّة، وهو وتر يحب الوتر". اهـ

رواه البخاري.

قال أهل العلم: معنى أحصاها، ومعنى حفظها، يعني: أتقنها، وتدبر معانيها، وعمل بمقتضاها، أما من أحصاها ولم يعمل بمقتضاها ولم يؤمن بها، فإنها لا تنفعه. اهـ

قلت: وكل اسم من أسماء الله تعالى، يحمل صفة من صفات ذاته أو أفعاله المقدّسة، ولله عز وجل صفات لم يتسمى بها، ذكرها في كتابه العزيز، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فيما صحّ عنه من أحاديث، وصفات الله من الله، وليس من الله شيء مخلوق، والواجب أن نفهم من صفات الله تعالى وتقدس، ما يفهمه عوام المسلمين، فالله تبارك وتعالى، أنزل القرآن العظيم، والسنة النبويّة المطهّرة، على أمّة أمّيّة، لا يفهمون من الكلمات، إلا ما ظهر من معانيها، فلا يجوز نفي معاني صفات الله تعالى، ولا تأويلها على غير ما ظهر من معانيها، التي تعرفها العرب من كلامها، كما لا يجوز تشبيه الله تعالى، أي: تمثيله، بشيء من خلقه، أو تكييف صفاته، بما لم يأتي به النقل عن الله أو عن رسوله، عملاً بقوله تعالى في سورة الشورى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ولا يعني هذا نفي الشبه من جميع الوجوه، ولكن صفات الله تعالى، لا يشبهها شيء، في كنهها، وفي كمالها وجمالها وجلالها وعظمتها وبهائها وسنائها، فالمراد بنفي الشبه هنا، هو نفي المماثلة، فمن عطّل صفات الباري سبحانه، أو تأولها على غير تأويلها، أو شبهها بصفات المخلوقات، فقد أبعد النجعة، وزاد في الشقّة، وتكلّف ما لا علم له به، وضلّ عن سواء السبيل.

باب قوله تعالى في سورة إبراهيم: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

 قال تعالى في سورة الطور: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لّا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ)

وقال تعالى في سورة الواقعة: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتسائلون، حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً، فليقل: آمنت بالله". اهـ

رواه مسلم وأبو داود.

وفي رواية: "فإذا قالوا ذلك، فقولوا: (هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً، وليَستعِذ من الشيطان". اهـ

رواه أبو داود.

وفي رواية: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته". اهـ

رواه مسلم.