باب النهي عن الذبح والنذر والصدقة لغير الله

قال تعالى في سورة الأنعام: (وَلَا تَأۡكُلُوا۟ مِمَّا لَمۡ یُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقࣱۗ وَإِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ لَیُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕهِمۡ لِیُجَـٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ)

فحكم الله عز وجل هنا على من لم يذكر اسم الله تعالى على الذبيحة بأنه مشرك.

مع أنه لم يذكر اسم غير الله تعالى.

وحكم سبحانه وتعالى، بأن كل ذبح لم يذكر اسم الله عليه فهو حرام.

فمن يجيز الذبح دون ذكر اسم الله تعالى، أو يجيز الذبح على غير اسم الله تعالى، سواء أشرك ذكر اسم المخلوق المذبوح له مع ذكر اسم الله تعالى، أو ذبح على اسم هذا المخلوق وحده، كمن يجيز الذبح على ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلل ذلك بأنه أراد التبرك بذكر اسمه، فهو من أولياء الشيطان.

ولكن البعض قد يستشكل عليه، كيف يكون الذبح للمخلوق على أمر يستطيعه، دون ذكر اسم الله تعالى، ودون ذكر اسم هذا المخلوق، ذبحاً شركياً؟

ولتتبيّن لك المسألة، أذكر هنا خبراً ذكره الشيخ حامد آدم، وهو من بلاد السودان، في محاضرة له، وكان هذا الرجل مشعوذاً وساحراً، ثم تاب إلى الله تعالى وأسلم.

فقد ذكر الشيخ حامد آدم، أن الجِنّ كانت تأمره أن يذبح لهم ذبيحة كقربان لهم، ليقوموا بخدمته، وأنهم كانوا يشترطون عليه، أن لا يذكر اسم الله تعالى، وكانوا يأمرونه أن يعضّ على حديدة أو خشبة أو أي شيء، لكيلا ينسى ويذكر اسم الله تعالى على الذبيحة بالخطأ.

فنجد هنا، أن الجنّ لم تأمره بأن يذكر اسم ملكها الذي تُقدَّم له الذبيحة ولا اسم أحدهم، بل اكتفوا بعدم ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة، مع أن الذبيحة قُدِّمت لهم على أمر يستطيعونه.

ولو لم يكن الجنّ يعلمون أن هذا النوع من الذبائح شرك أكبر، لما افترضوه على أوليائهم من شياطين الإنس. 

ومن هنا يتبيّن لنا، أن هذا النوع من الذبائح، هي ذبائح شركية.

وقال تعالى في سورة الأنعام أيضاً: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

قلت: النسك، هي: الذبيحة.

وقال تعالى في سورة الكوثر: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)

وقال محمد بن كعب القرظي في تفسير هذه الآية: "إن أناساً كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد، فلا تكن صلاتك ونحرك إلّا لي". اهـ

رواه الطبري.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله". اهـ

رواه مسلم.

وقال تعالى في سورة البقرة: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)

قلت: فكل عمل، تريد به التقرب، لجلب نفع أو دفع ضرٍّ، لا يستطيع جلبه ولا دفعه إلا الله تعالى، فلا يجوز صرفه لغير الله تعالى؛ لأنه سبحانه جالب الخيرات ودافع المضرات.

وليس كل ذبح أو نذر أو صدقة شرك أكبر.

فمن الذبح ما لا يكون شركاً، كذبح الرجل لنفسه ليطعمها، ولأهل بيته ليطعمهم. 

أو كذبح الرجل لضيفه إكراماً له.

أو كذبح الرجل لرجل تقرباً له، ليقضي له حاجة من حوائج الدنيا، التي يقدر المخلوقون عادة على قضائها.

فيذبحها ويقدمها إليه على أنها هديّة أو ضيافة.

إلا أن الله تعالى، اشترط علينا في كل ذلك، أن نذكر اسمه العظيم عليها عند الذبح.

فلا تحلّ ذبيحة لم يذكر اسم الله تعالى عليها.

ولكن الذبيحة تكون شركاً، إذا قدّمت لمخلوق تقرباً له، ليقضي حاجة من الحوائج التي لا يستطيع قضاءها إلا الله تعالى.

أو يقدم الذبيحة لمخلوق تقرباً وتزلفاً دون ذكر اسم الله عليها، أو بذكر اسم هذا المخلوق عليها عند الذبح، بدل ذكر اسم الله تعالى، أو مع ذكر اسم الله تعالى عليها، فهنا تكون هذه الذبيحة، شرك أكبر.

وكذلك النذر، فمن نذر لمخلوق لأجل أن يقضي له حاجة من حوائج الدنيا التي يقدر عليها المخلوقون عادة، فهذا نذر جائز، شرط أن لا يكون رشوة أو حراماً.

كقول الرجل للرجل: إن فعلت لي ما أريده، فعلت لك ما تريده.

ولكن النذر يكون شركاً، إذا قًدِّم لمخلوق تقرباً له، ليقضي حاجة من حوائج الدنيا التي لا يستطيع قضاءها إلا الله تعالى.

وأما الصدقة فلا يجوز تقديمها كقربان إلّا لله تعالى، في جميع الحالات، فإن تصدق رجل تقرّباً لمخلوق أخر، لأجل أن يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرّة لا يستطيع جلبها أو دفعها إلا الله تعالى، فهذا العمل شرك أكبر، وإن كان لأجل أمرٍ يستطيعه المخلوق، فهذه الصدقة معصية، دون الكفر.

والعلّة في كون دعاء المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو الذبح له والنذر له أو التصدّق له، للتقرب لقضاء حاجة لا يستطيع قضاءها إلا الله تعالى، هو أن الداعي جعل لله مثيلاً وكفواً وندّاً.