باب ما جاء في النشرة

والنُشرة هي: الرقية.

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن النشرة، فقال: "هي من عمل الشيطان". اهـ

رواه أحمد وأبو داود.

وعن قتاد بن دعامة قال: قلت لسعيد بن المسيّب: رجل به طبّ، أو يؤخذ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنشَر؟ قال: لا بأس، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس، فلم ينه عنه.

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، فقال: "يا عائشة، أعلمت أن الله استفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والأخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: وفيم؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطَة. قال: وأين؟ قال: في جفّ طلعت ذكر، تحت راعوفة، في بئر ذروان". قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: "هذه البئر التي أُرِيتُها، وكأن ماءها نقاعة الحنّاء، وكأن نخلقها رؤوس الشياطين". قال: فاسْتُخْرِج، قالت: فقلت: أفلا؟ أي: تنشّرت؟ قال: "أمّا الله فقد شفاني، وأكره أن أُثير على أحدٍ من الناس شرّا".

رواه البخاري.

وعن الحسن البصري، في النشرة: أنها من عمل الشيطان.

رواه ابن أبي شيبة.

وروى أبو بكر بن أبي شيبة، في مصنفه، عن إبراهيم قال كانوا يكرهون التمائم، والرقى، والنشر.

قال ابن القيّم في إعلام الموقعين: والنشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان؛ فإن السحر من عمل فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور، والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر.

قلت: قد علمت ممن تاب من السحر، أن الساحر لا يكون ساحراً، حتى ينسلخ من دينه، ويتقرب إلى الشياطين بأنواع القربات، كدعائهم، والاستغاثة بهم، وتقديم القرابين لهم، فبما أن هذا كذلك، فإن عمل الساحر كفر كله، سواء في الشرّ أو في الخير؛ لأن الخير الذي يريده، لا يقع إلّا بعد أن يكفر هو، ومن كرهه، أو توقف فيه من العلماء، إنما أتي من جهة جهله بحال السحرة، وحقيقة عملهم، وبهذا نعلم أن حل السحر بسحر مثله لا يجوز، وأنه ينبغي على المسحور، أن يتداوى كما تداوى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بالقرآن العظيم، والأدعية الشرعية؛ والأدعية الشرعية، هي: الأدعية التي يخلص فيها الدعاء إلى الله عز وجل، واللجوء إليه والاستعاذة والاستغاثة والاستعانة به.

والله أعلم وأحكم.