باب حكم التنجيم

المنجمون، هم الذي يدّعون علم الغيب، بواسطة حركات الشمس والقمر والنجوم، ومنازلها، ومثلهم، الذين يدعون علم الغيب من خلال حساب الجمّل والأرقام.

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" اهـ

رواه أبو داود.

وعند أحمد وابن ماجه والطبراني: "من اقتبس علماً" بدل: "من اقتبس شعبة".

وعن زيد بن خالد الجهني، في غزوة الحديبية، قال: صلّى بنا رسول الله ذات ليلة، على إثر سماء من الليل، فقال: "قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا، فإنه كافر بي مؤمن بالكوكب، ومن قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب". اهـ

رواه البخاري.

قوله: "بنوء" النوء، هو: النجم، والباء للسببية، أي: أن هذا المطر من النجم.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً، يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد، فصلّى بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ رأيته قطّ يفعله، وقال: "هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن يخوّف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره". اهـ

رواه البخاري.

وعن قتادة رحمه الله في قوله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) قال: "خلق هذه النجوم لثلاث، جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك، أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلّف ما لا علم له به". اهـ

رواه البخاري.

قلت: ولما أراد محمد بن هارون العبّاسي، الذي يلقبونه بالمعتصم، غزو عمّوريَّة، جاء بالمنجمين، وكان جهمياً معتزليّاً ضالاً، يؤمن بالشعوذة والكهانة، فطلب منهم أن ينظروا في النجوم، ليروا لمن تكون الكرّة، فلما نظروا في النجوم بزعمهم، قالوا: الكرّة عليك. لكن عزمه لم ينثني، فصمم غزو عمّوريّة، وتغلّب عليها، وبان كذب المنجمين وافتضحوا، فقال أبو تمام شعراً:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حده الحدّ بين الجدّ واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف

في متونهن جلاء الشك والرِيَب

والعلم في شهب الأرماح لامعة

بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية بل أين النجوم وما

صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرصاً وأوهاماً وأحاديثاً ملفقة

ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب

عجائباً زعموا الأيام مجفلة

عنهن في صفر الأصفار أو رجب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة

إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

وصيّروا الأبرج العليا مرتبةً

ما كان منقلباً أو غير منقلب

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة

ما دار في فلك منها وفي قطب

لو بيّنت أمراً قطّ قبل موقعه

لم تخف ما حلّ بالأوثان والصلب