باب ذم الله عز وجل للمشركين في دعائهم غيره

قال الله تعالى في سورة الحج: (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)
وقال تعالى في سورة الأحقاف: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)
قلت: وفي هذه الآية، أعظم دليل، على أن من لا يستطيع أن يخلق شيئاً، ولا يملك مع الله شيئاً، لا يستحق العبادة، ولا يستحق أن يدعى من دون الله تعالى، أيّاً يكن هذا المدعو، لا ملك مقرّب، ولا نبيٌّ مرسل، ولا ولِيٍّ صالح، فضلاً عن الأشجار أو الأحجار. 
وفيه يطالب الله تعالى، المشركين، الذين يدعون الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء أو الجنّ أو الأشجار أو الأحجار، بأن يأتوا بالدليل على جواز دعائهم غيره، فقال تعالى: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وفي هذا دليل على أن من عمل عملاً من العبادات، لم يكن عنده فيه خبر عن الله أو رسوله، أنه غير معذور فيه.
وقد ثبت بالعقل الصحيح والفطرة السليمة أن المخلوق قدرته قدرة مخلوق، حتى لو كان هذا المخلوق ملاكاً أو نبيّاً أو وليّاً أو شيخاً أو جنّيّاً، فالميّت والغائب، لا يمكن أن يسمعنا أو يبصرنا أو يعلم بحالنا، كما أن الحيّ الحاضر، لا يقدر على إعانتنا إلا فيما يقدر عليه المخلوقون عادة من أمور الدنيا، فإن زعم زاعمٌ أن الله تعالى اختص أحداً من خلقه، بأن جعله مثيلاً له في كمال صفة من صفاته، وجعله شريكاً له في أمره ونهيه، قلنا له: هذا أمر لا يثبت بالعقل والفطرة، ولا يمكن عِلمه إلا بالخبر عن الله أو عن رسوله، فإن كان لديه دليل من الكتاب والسنة وإلا فمن أين جاء به. فأما الكتاب والسنة فلم يرد فيها شيء من ذلك، فلم يتبقى إلا أن هذا المدّعي، يفرتي على الله وعلى رسوله الكذب.
والله أعلم وأحكم.