باب حكم السحر والكهانة

قال تعالى في سورة البقرة: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)

قلت: لما توفي نبي الله سليمان عليه السلام، جائت الشياطين إلى بني إسرائيل، فقالوا لهم: الا نخبركم كيف كان يتحكم سليمان في الجنّ؟ فقالوا: بلا. فأملوا عليهم السحر، فدونه اليهود في الكتب، فانقسمت اليهود في شأن نبي الله سليمان، ثلاث فرق:

فرقة قالت: هو ساحر كذاب، وهم يهود السامرة.

وفرقة قالت: هو نبيٌّ كريم، وعمله بالسحر، دليل على جواز العمل بالسحر، وتعلموه، وعلّموه، وعملوا به، مع أنهم يجدون في كتبهم، أن عمل السحر لا يجوز!

وفرقة قالت: هو نبيّ كريم، ولم يكن ساحراً ولم يعمل بالسحر، وما ألقته الشياطين، كذب، وتلبيس على الناس، وهي الفرقة الناجية بإذن الله.

فبرأ الله نبيّه سليمان من السحر ومن الكفر، فقال: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ) لأنه لا يتعلم السحر ولا يعمل به إلّا كافر.

وأما هاروت وماروت، فهما ملكان كريمان، أنزلها الله تعالى فتنة لعباده، يعلمون من توصّل إليهم السحر، ولا يعلِّمان أحداً، حتى يعضونه في نفسه، فإن أصرّ علّموه.

وقوله: (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي: ماله في الأخرة من نصيب، ومآله إلى النار، وبئس المصير.

وقال تعالى في سورة يونس: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله والسحر" .. الحديث.

رواه البخاري.

وقال بجالة بن عبدة: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن اقتلوا كل ساحرٍ وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر. اهـ

رواه أبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم" اهـ

رواه أبو داود.

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من تطيّر أو تُطِيّر له، أو تكهّن أو تُكهٍّن له، أو سحر أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم". اهـ

رواه الطبراني.

والكاهن، يشمل كل مدعٍ لعلم الغيب، فيدخل فيه، الرمّالين، وقرّاء الفنجان، وقرّاء الكفّ، والذين يضربون بالودع، ومن في حكمهم، ممن يتواصلون مع شياطين الجنّ.

وعن قبيصة رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العيافة، والطرق، والطِيَرة، من الجبت". اهـ

قال عوف: "العيافة، زجر الطير، والطرق، الخطّ يخط بالأرض، والجبت، قال الحسن: رنّة الشيطان". اهـ

رواه أبو داود.

وعن عبدالله نب عباس: "الجبت رنّة الشيطان". اهـ

رواه الطبري.

ومثله عن قتادة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عقد عقدة ثم نفخ فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلّق شيئاً وُكِل إليه". اهـ

رواه النسائي والطبراني.

قلت: وقد سمعنا من بعض السحرة والكهنة، ممّن منّ الله عليهم بالتوبة من هذا العمل، أن الساحر والكاهن، لا يكون كذلك، حتى يكفر بالله تعالى، ويقدّم القرابين لشياطين الجنّ، ويعبدهم من دون الله تعالى، ومن ادّعى الإسلام منهم، فإنما يدّعيه نفاقاً.